تحليلات واراء

عصابة أبو شباب ومستشفى ناصر.. حين تتحوّل الفوضى إلى مشروع سياسي

لم يكن الهجوم المسلح على محيط مستشفى ناصر في خان يونس جنوب قطاع غزة حدثاً جنائياً عابراً أو مجرّد جريمة بلطجة محلية، بل جاء ليكشف عمق مشروع أكبر تقف وراءه شخصيات وأطراف تعمل على ضرب الأمن الداخلي في قطاع غزة.

أبو شباب، الذي يترأس إحدى المجموعات المسلحة الموصوفة بالعصابات، لا يتحرّك في فراغ. فهو يسعى لتحقيق عدة أهداف متشابكة من وراء الهجوم على المستشفى:

استعراض القوة: الهجوم في محيط مرفق صحي حساس كـ مستشفى ناصر يحمل رسالة بأن هذه المجموعات قادرة على تحدي أي سلطة أمنية، واختراق أي منطقة مهما كانت حساسة أو محصّنة. هذا الاستعراض يعزز من مكانة العصابة محلياً ويزيد من قدرتها على فرض الإتاوات أو الهيمنة على مناطق معينة.

إثارة الفوضى الأمنية: استهداف المستشفى، في توقيت تتعرض فيه غزة لعدوان وحصار، يضيف عبئاً جديداً على المنظومة الأمنية والصحية.

فهو يُربك الأجهزة الأمنية ويستنزفها في مواجهة أخطار داخلية بدلاً من تركيزها على التحديات الخارجية، ويترك أثراً سلبياً على الرأي العام الفلسطيني الذي يعاني أصلاً من أزمات إنسانية هائلة.

إرسال إشارات سياسية: كثير من المعلومات تشير إلى أن مثل هذه العصابات لا تتحرك بمعزل عن أجندات خارجية أو محلية. استهداف المستشفى يبعث برسالة سياسية إلى أطراف إقليمية ودولية بأن قطاع غزة يعيش حالة من الفلتان الأمني، ما يُستخدم كذريعة لمهاجمته أو التدخل في شؤونه تحت شعار “حماية المدنيين”.

وعليه فإن الهجوم على المستشفى إذن لم يكن مجرد واقعة إجرامية بل جزء من محاولة متعمدة لفرض مشهد الفوضى كأداة نفوذ سياسي ومجتمعي.

دعم فتح لبلطجة العصابات والعائلات

اللافت في قضية العصابات المسلحة في غزة، ومنها عصابة أبو شباب، هو ما يُتداول من معلومات متكررة عن ارتباط عناصرها أو قياداتها ببعض الأوساط المحسوبة على حركة فتح، أو على الأقل بحاضنة سياسية توفر لها الغطاء أو الصمت المريب.

هذا الوضع يضع حركة فتح أمام مأزق أخلاقي وسياسي خطير. إذ كيف لحركة وطنية كبرى تُعلن تمسكها بمشروع الدولة والنضال الوطني، أن يُزجّ باسمها أو أعضائها في أنشطة إجرامية؟

وهناك أسباب تدفع بعض كوادر فتح أو متنفذيها لدعم هذه العصابات:

أولاً: استخدام العصابات كأداة ضغط على فصائل المقاومة في غزة والسعي نحو إحداث حالة فوضى أمنية.

ثانياً: شبكة مصالح اقتصادية: العصابات المسلحة تتحكّم في تهريب، وسوق سلاح، وفرض إتاوات على التجار وأصحاب المشاريع. بعض الشخصيات المتنفذة قد تجد في هذا النشاط مورداً مالياً سريعاً.

ثالثاً: محاولة تثبيت حضور سياسي: ترى بعض القيادات في العصابات في الفوضى الأمنية أداة لإبقاء نفوذها حياً أو لابتزاز خصومها سياسياً.

لكن الخطر هنا بالغ. إذ يدفع هذا السلوك بحركة فتح نحو سقوط أخلاقي وانحدار وطني غير مسبوق. فهو يضعها في موقع المتهم بتخريب الأمن الداخلي وإذكاء الفوضى، وهو ما يفقدها التعاطف الشعبي ويعزز صورة الحركة كطرف غارق في حسابات الفوضى.

الضرب بيد من حديد.. مطلب شعبي

مع تصاعد حوادث إطلاق النار، وفرض الإتاوات، والخطف، والترويع، تنامت في الشارع الغزي مطالبات واسعة بـ “الضرب بيد من حديد” ضد المجرمين والعصابات.

فالمواطن الغزي يعيش اليوم أزمة معيشية غير مسبوقة بسبب الحصار والحرب والدمار. أي تهديد إضافي للأمن الشخصي أو المجتمعي يزيد من معاناته النفسية والمادية.

هناك عدة أسباب تجعل الغزيين يطالبون بالحسم الأمني:

حماية الاقتصاد المحلي: الإتاوات التي تفرضها العصابات على التجار وأصحاب المصانع تزيد أسعار السلع وتقلل من فرص الاستثمار.

أمن المجتمع: الانفلات الأمني يقوض الشعور بالأمان ويزرع الخوف في الأحياء والأسواق وحتى داخل البيوت.

حماية صورة غزة: مثل هذه الأعمال تُستخدم ذريعة للتحريض الدولي على غزة وشيطنة المقاومة ووصف القطاع بأنه “مرتع للفوضى”.

الناس في غزة يعرفون جيداً أن الحروب والقصف ليس أسوأ ما يواجهونه دائماً، بل إن الفوضى الداخلية قد تكون أشد فتكاً بالمجتمع من أي عدوان خارجي.

غالبية عناصر العصابات عناصر في السلطة

أحد أخطر ما تكشفه الأحداث الأخيرة أن أغلبية عناصر العصابات المسلحة، أو جزءاً كبيراً منهم، هم عناصر في الأجهزة الأمنية أو محسوبون عليها أو يتقاضون رواتب من السلطة الفلسطينية.

هذا الواقع يعني أشياء خطيرة للغاية:

انهيار المنظومة الأمنية الوطنية: كيف لجهاز أمني يفترض به حماية المجتمع، أن يكون بعض أفراده جزءاً من عصابات إجرامية تهدد نفس المجتمع؟

أزمة أخلاقية وتنظيمية داخل السلطة: إذا كان موظف أو عنصر أمني يستلم راتباً من السلطة، لكنه يشارك في نشاط إجرامي، فهذا يعني أن المال العام يُستخدم لتمويل الجريمة بشكل غير مباشر.

استغلال الغطاء الوظيفي: عناصر العصابات الذين ينتمون للأجهزة الأمنية يتمتعون بعلاقات واسعة، ويمكنهم تهريب الأسلحة، أو تجاوز الحواجز الأمنية، أو معرفة تفاصيل حساسة، ما يزيد خطورتهم.

سقوط المصداقية الوطنية: انخراط عناصر أمنية في العصابات يعزز انعدام ثقة الناس بالسلطة كجسم حامي للمجتمع.

وعليه فإن الهجوم على مستشفى ناصر ليس مجرد جريمة محلية، بل مؤشر على مشروع أوسع يراد له زرع الفوضى في غزة. استمرار ارتباط العصابات ببعض الجهات أو العناصر الأمنية يهدد وحدة النسيج الوطني ويقوّض ثقة الناس بالقيادة السياسية.

ومع ذلك، يظل الشارع الغزي متسلحاً بإصرار قوي على رفض الفوضى، ومطالباً بالحسم ضد كل من يعبث بأمنه وحياته ومستقبل أبنائه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى