الآباء في غزة يواجهون تهديدًا جديدًا بشلل الأطفال
مثل كثيرين في غزة، يقضي عيد العطار، وهو مدرس من شمال القطاع، أيامه الآن في محاولة العثور على ما يكفي من الطعام والماء لإبقاء أسرته على قيد الحياة وهو الآن يواجه تهديدًا جديدًا بشلل الأطفال.
وبعد أن نزح ثماني مرات منذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية في أكتوبر/تشرين الأول، بذل العطار البالغ من العمر 42 عاما قصارى جهده لحماية أطفاله الخمسة من الهجمات الإسرائيلية. والآن تواجه الأراضي الفلسطينية خطرا جديدا: مرض شلل الأطفال شديد العدوى وربما المميت.
وقال العطار في دير البلح أثناء انطلاق حملة التطعيم التي تقودها الأمم المتحدة لصحيفة الجارديان البريطانية: “لا نستطيع حماية أطفالنا. نحن معرضون للموت في أي لحظة بسبب القصف المستمر وانعدام الأمن. ولا أستطيع حمايتهم من الأمراض أيضًا”.
وأضاف “نحن نعيش في خيمة لا تحمينا من أي شيء، ولا توجد أدوية، والقمامة منتشرة في كل مكان، والشوارع مليئة بمياه الصرف الصحي”.
تفشي الأوبئة والأمراض
أدت حملة القصف الإسرائيلية في غزة إلى تدمير نظام الرعاية الصحية في القطاع، حيث تضرر أو دمر 31 من أصل 36 مستشفى، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية.
وقد نزح حوالي 90٪ من 2.3 مليون شخص يعيشون في قطاع غزة من منازلهم، حيث يعيش أغلبهم في مخيمات مؤقتة مكتظة وغير صحية.
وقالت منظمة الصحة العالمية إن التهاب الكبد والالتهاب الرئوي وأمراض الإسهال وكذلك الجرب والقمل والطفح الجلدي المنهك منتشرة بالفعل.
ولم يتضح بعد عدد الوفيات الناجمة عن تفشي الأمراض. لكن أحد أسوأ مخاوف العاملين في مجال الرعاية الصحية تأكد الأسبوع الماضي عندما سجلت غزة أول حالة إصابة بشلل الأطفال من النوع الثاني منذ ربع قرن.
ويمكن أن يسبب هذا المرض المعدي الشلل والوفاة، وخاصة بين الرضع والأطفال الصغار.
تم القضاء على شلل الأطفال في قطاع غزة في عام 1999، ولكن تم اكتشاف سلالة جديدة من المرض في اختبارات مياه الصرف الصحي الروتينية في شهر يوليو.
ويعتقد أن هذه السلالة جاءت من لقاح شلل الأطفال الفموي، والذي يحتوي على فيروس حي ضعيف، ويمكن في حالات نادرة أن يفرزه الأشخاص الذين تم تطعيمهم ويتطور إلى شكل جديد معدي.
مئات الآلاف من الأطفال في خطر
وقد تم الإبلاغ عن أول حالة في الأسبوع الماضي لطفل يبلغ من العمر عشرة أشهر، مصاب بالشلل في إحدى ساقيه. ولم يتلق أي تطعيمات روتينية للأطفال بسبب الحرب.
ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فمن المحتمل أن يكون مئات الأشخاص الآخرين مصابين بالفعل، ولكن لا تظهر عليهم أعراض المرض، مما يعرض مئات الآلاف من الأطفال في غزة للخطر.
وتجري الآن حملة تطعيم معقدة بشكل لا يصدق بقيادة الأمم المتحدة والسلطات الصحية المحلية لمنع ظهور شلل الأطفال مرة أخرى بين جيل جديد.
يجب تطعيم ما لا يقل عن 90% من أطفال غزة البالغ عددهم 640 ألف طفل تحت سن العاشرة بقطرة من اللقاح الفموي في جولتين، بفاصل أربعة أسابيع، لمنع انتشار المرض – وهو هدف هائل في منطقة حرب نشطة حيث يمكن أن تتغير الظروف بسرعة.
وتهدف فرق التطعيم إلى زيارة 160 موقعاً، بدءاً من وسط غزة قبل السفر إلى مناطق يصعب الوصول إليها. وتجعل الطرق المتضررة أو المدمرة من الصعب على العاملين في مجال الرعاية الصحية التنقل، كما تعرض عمال الإغاثة والشحنات للقصف الإسرائيلي.
قالت منظمة المساعدات الأمريكية للاجئين في الشرق الأدنى (أنيرا) إن أربعة أشخاص استشهدوا في غارة جوية إسرائيلية الأسبوع الماضي أصابت مقدمة قافلة تحمل طعامًا ووقودًا إلى مستشفى في رفح.
وسمحت السلطات الإسرائيلية بإدخال نحو 1.3 مليون جرعة إلى غزة الشهر الماضي، وهي الآن مخزنة في مستودع مبرد في مدينة دير البلح بوسط القطاع. ومن المتوقع أن تصل شحنة أخرى من 400 ألف جرعة إلى القطاع قريبا.
تحديات حملة التطعيم
ويؤدي نقص الوقود إلى جعل تشغيل المولدات التي تحافظ على تبريد اللقاحات صراعًا كبيرًا آخر، حيث تم تدمير جميع مرافق تخزين سلسلة التبريد الحالية.
وقال الدكتور خليل أبو قاسمية، مدير وزارة الصحة في دير البلح، إنه وفريقه يستيقظون على فترات منتظمة في الليل للتأكد من أن درجات حرارة الثلاجة مستقرة وأن أكياس الثلج لم تذوب.
وأضاف “منذ ظهور أول حالة من شلل الأطفال، بذلت وزارة الصحة قصارى جهدها للقيام بدورها”.
وفي ظل من العديد من الجهود الدولية الأخرى لتخفيف المعاناة تم تطعيم 72600 طفل في اليوم الأول للعملية، حسبما أعلنت وزارة الصحة في غزة.
ومن المأمول أيضاً أن تسمح الجهود المبذولة لإصلاح نظام سلسلة التبريد ببدء التطعيمات الروتينية بمجرد اكتمال حملة شلل الأطفال.
وقال نبيل الحسنات (50 عاماً) وهو أب لطفلتين تبلغان من العمر ستة وخمسة أشهر: “نحن جميعاً نعاني كثيراً، وأنا سعيد لأنني أستطيع أن أفعل شيئاً واحداً لحماية أطفالي”.
ولكن الأزمة الإنسانية الأساسية لا تزال قائمة، مع عدم وجود أي مؤشر على حدوث انفراجة في محادثات وقف إطلاق النار في وقت قريب.
وقال خوسيه لينيز كافاتي، المتخصص في التغيير الاجتماعي والسلوكي في اليونيسف في فلسطين: “شلل الأطفال هو مجرد مشكلة واحدة من بين العديد من المشاكل التي يواجهها أطفال غزة”.
وتابع “بينما نجحنا في بدء حملة التطعيم ضد شلل الأطفال، هناك مشاكل خطيرة أخرى لا تزال دون علاج بسبب نقص القدرة على الوصول إلى المساعدات. فالانهيار الكامل لنظام الرعاية الصحية، والتدمير شبه الكامل للبنية الأساسية للصرف الصحي والمياه، فضلاً عن الظروف المعيشية للأسر التي لم يعد لديها مسكن، تجعلها عرضة لتفشي أمراض أخرى”.