شركة ناهض ضبان عنوان لتجميل المجاعة في غزة وتكريس الحصار

في قلب المشهد الإنساني المروع الذي تعيشه غزة اليوم، يطفو اسم شركة «ناهض ضبان» كعنوان صارخ للمفارقات القاتلة التي يصنعها تجار الأزمات.
ففي الوقت الذي تتحدث فيه تقارير الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية عن شبح المجاعة الذي يطرق أبواب القطاع، تدخل شاحنات محملة بالبضائع إلى غزة عبر معابر الاحتلال، تحمل لافتة «ضبان جروب»، فتثير أسئلة ملحة: من المستفيد الحقيقي من هذه الشاحنات؟ وهل هذه الشحنات تُرسل حقاً لإغاثة الناس أم لتكريس سيطرة الاحتلال وخنق غزة من الداخل؟
مكسرات وشوكولاتة ودواجن… في زمن المجاعة!
من أكثر ما يثير الغضب والسخرية في آن، أن ما يدخل عبر هذه الشاحنات ليس طحيناً أو أدوية أو وقوداً لإنقاذ المستشفيات، بل أصناف ترفيهية مثل المكسرات، والدواجن المجمدة، والشوكولاتة، بل حتى المحارم الورقية والمنظفات، وهي جميعها تُطرح في الأسواق بأسعار خيالية تفوق قدرة غالبية السكان على شرائها.
ولعل السؤال الذي يطرحه الكثير من مواطني غزة بحرقة: “هذا يرضي مين بالله عليكم؟ يرضي مين؟ أليس من العدل والحق أن يُحاسب الكبير حتى يخاف الصغير؟”.
ما يجري يؤكد أن الاحتلال لا يريد فقط إبقاء غزة محاصرة بالسلاح والجدران، بل يريد أن يحاصرها اقتصادياً واجتماعياً ونفسياً، عبر التحكم حتى في تفاصيل حياة الناس ومعيشتهم.
وبهذا الصدد تلعب شركة «ضبان جروب» دوراً خطيراً في هذه المنظومة، إذ تحولت إلى غطاء يُجمّل صورة الحصار تحت لافتة «التسهيلات الإنسانية»، بينما هي في الحقيقة تكرس سياسة تجويع القطاع وتدمير قدراته الذاتية.
ناهض ضبان… التاجر الذي خان غزة من القاهرة
تكشف قصة ناهض ضبان كيف يجري توظيف بعض التجار من أبناء غزة أنفسهم كأدوات داخل ماكينة الحصار الإسرائيلي.
فقد انتقل ضبان من غزة إلى القاهرة، تاركاً أهله وأرضه تحت النار، ليصبح واجهة اقتصادية تنسّق عمليات الاستيراد والتصدير، في إطار ما يسمى «التسهيلات» التي يروج لها الاحتلال وبعض الوسطاء الإقليميين.
لكن جوهر هذه التسهيلات أنها آلية للتحكم في السوق الغزيّ، وضبطه بما يخدم أمن الاحتلال ومصالحه الاقتصادية.
وليس خافياً أن الاحتلال يعتمد منذ سنوات على شبكة من التجار المرتبطين به بشكل مباشر أو غير مباشر، لوضع قوائم البضائع المسموح إدخالها إلى القطاع أو المحظورة، بهدف إدارة معادلة السوق الداخلية، ورفع أسعار المواد الأساسية حتى تصبح فوق طاقة الناس، فينهار الاقتصاد المحلي ويزداد اعتماد الناس على ما يُسمّى «المساعدات» التي غالباً ما تكون جزءاً من لعبة الابتزاز السياسي.
وناهض ضبان، الذي راكم ثروته من التجارة، بات اسماً مرادفاً للسمسرة على أوجاع الغزيين.
إذ بينما يعيش حياة مرفّهة في القاهرة، بعيداً عن صوت القصف وأنين الجوع، يواصل توسيع نفوذه الاقتصادي، مستغلاً علاقاته مع شبكات المصالح التي تربط الاحتلال وبعض الأطراف الإقليمية. إنه نموذج صارخ للتاجر الذي حوّل دماء شعبه إلى سلعة يتربح منها.
محمود ناهض ضبان… الذراع التنفيذية في الداخل
تدير شبكة ضبان أنشطتها عبر أذرع تعمل من قلب غزة. هنا يبرز محمود ناهض ضبان، الذي يعد الذراع التنفيذية للشركة داخل القطاع.
يتحرك محمود بين التجار وأصحاب المستودعات ومخازن الغذاء والدواء، يوجّه حركة السوق، وينفذ تعليمات شقيقه بشأن البضائع التي يجب إدخالها أو تأجيل إدخالها أو حتى إخفائها لإحداث أزمات مفتعلة.
ومحمود ضبان ليس مجرد تاجر يسعى للربح، بل هو جزء من منظومة خبيثة تستغل حاجات الناس للغذاء والدواء، لتكديس الأرباح عبر احتكار البضائع أو تسويقها بأسعار خيالية.
الأخطر أن هذه المنظومة تُستخدم أحياناً لإحكام الحصار من الداخل، إذ يؤدي إخفاء بعض المواد الأساسية إلى رفع أسعارها بشكل جنوني، ما يدفع الناس إلى الاستسلام للواقع القاسي، ويُسهم في تركيع المجتمع اقتصادياً ونفسياً.
وما يثير الغضب أن محمود ضبان يواصل أنشطته في قلب غزة الجريحة، وسط تواطؤ أو صمت بعض الأطراف التي إما تخشى نفوذ هذه الشبكة، أو تشاركها المصالح. وبينما يعاني الناس من الجوع، يظهر في السوق من يحقق أرباحاً طائلة من المتاجرة بلقمة عيشهم، في جريمة مزدوجة أخلاقياً ووطنياً.
سمسرة على دماء الغزيين
خطورة شركة ناهض ضبان لا تكمن فقط في توريد بضائع غير أساسية إلى غزة، بل في كونها جزءاً من هندسة الاحتلال للاقتصاد الغزي، بحيث لا يكون هناك استقرار ولا اكتفاء ذاتي. فالاحتلال يدرك أن التجويع وسيلة فعالة لإخضاع الناس، ومنعهم من التمرد على شروط اللعبة المفروضة عليهم.
وعليه فغن ناهض ضبان وأمثاله هم جزء من منظومة تُجمل الحصار تحت شعارات كاذبة مثل «التسهيلات» و«الإنعاش الاقتصادي»، بينما الحقيقة أن الاحتلال يمسك بخناق غزة، ويستخدم هؤلاء كأدوات لإدامة معاناة الناس، وخلق طبقة طفيلية تغتني على حساب الجوع والوجع.
وإذا كانت غزة اليوم تقف على شفا المجاعة، فإن حساب من يشاركون الاحتلال في هذه الجريمة يجب ألا يسقط بالتقادم. فمن العدل والحق أن يُحاسب الكبير حتى يخاف الصغير، لأن ما يجري لم يعد مجرد تجارة أو ربح، بل خيانة موصوفة لدماء الناس وصبرهم وكرامتهم.