تحليلات واراء

الإمارات تقدم إغراءات اقتصادية لتسهيل مخطط التهجير الإسرائيلي

كشفت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية عن محادثات سرية أجراها مسؤولون إسرائيليون مع عدد من الدول بهدف إعادة توطين فلسطينيي قطاع غزة في الخارج، ضمن خطة وُصفت بأنها محاولة جديدة لتصفية القضية الفلسطينية عبر التهجير القسري الجماعي.

وتظهر المعلومات المسربة عن هندسة ديموغرافية يسعى الاحتلال لفرضها مستغلًا الظروف المأساوية التي يمر بها القطاع المحاصر، بينما تتورط أطراف إقليمية – على رأسها الإمارات – في توفير الغطاء الاقتصادي والسياسي لإنجاح هذه المخططات.

ضغوط على مصر ورفض قاطع

بحسب الصحيفة الأميركية، مارست دولة الاحتلال والولايات المتحدة ضغوطًا متزايدة على مصر لتوطين الفلسطينيين في شبه جزيرة سيناء، لكن القاهرة رفضت الفكرة بشكل قاطع.

الاجتماعات بين الجانبين الإسرائيلي والمصري وُصفت بأنها عاصفة، إذ شهدت “دورات تبادل للصراخ”، في ظل إصرار مصر على رفض أي مشروع يؤدي إلى تفريغ غزة من سكانها.

هذا الموقف المصري لا ينفصل عن مخاوف استراتيجية وأمنية طويلة الأمد. فالقاهرة تدرك أن قبول التوطين يعني تغييرات جذرية في تركيبة سيناء السكانية والسياسية، وتحويلها إلى بؤرة صراع جديدة مرتبطة بالنزاع الفلسطيني–الإسرائيلي، فضلًا عن تحميل مصر مسؤولية مباشرة في تصفية قضية اللاجئين.

وبذلك يتم إغلاق ملف حق العودة للاجئين الفلسطينيين نهائيًا، وهو ما لا يمكن لمصر تحمله على الصعيد الداخلي أو العربي.

اتصالات مع ليبيا وجنوب السودان

إزاء الرفض المصري، كشفت التسريبات عن أن دولة الاحتلال فتحت قنوات اتصال مع دول أخرى مثل ليبيا وجنوب السودان لإقناعها بقبول فلسطينيين من غزة.

لكن هذه الدول تعاني من هشاشة سياسية وأمنية عميقة؛ فليبيا لا تزال غارقة في انقسامات داخلية وحرب نفوذ إقليمية، بينما جنوب السودان يعاني من أزمات اقتصادية وحروب أهلية.

هذه الأوضاع تجعلها عرضة للإغراءات المالية والاستثمارات، وهو الباب الذي تحاول تل أبيب التسلل منه بمساندة شركاء إقليميين، وعلى رأسهم الإمارات، التي تعرض حزمًا اقتصادية ومشاريع تنموية كوسيلة لجعل التوطين “مغريًا” لهذه الدول الضعيفة.

صعوبات مع سوريا و”صومالي لاند”

أما مع سوريا، فالمحادثات لم تحقق أي تقدم يذكر بسبب الموقف السياسي لدمشق الرافض أصلًا لأي تطبيع مع دولة الاحتلال بدون الانسحاب من هضبة الجولان، فضلًا عن انشغالها بأزمتها الداخلية.

وفي حالة “صومالي لاند” – الإقليم الانفصالي غير المعترف به في الصومال – فإن الفكرة تواجه رفضًا داخليًا وضغوطًا إقليمية قوية، إضافة إلى عجز الإقليم عن تحمّل مسؤوليات دولية بهذا الحجم.

الدور الأميركي: غطاء لا تورط مباشر

المثير أن مسؤولين أميركيين حاليين وسابقين نفوا للصحيفة أن تكون واشنطن طرفًا مباشرًا في هذه المفاوضات.

لكن مراقبين أكدوا أن الولايات المتحدة توفر غطاءً سياسيًا لإسرائيل، إذ تغض الطرف عن المشروع وتؤمّن الدعم الدبلوماسي في مواجهة الرفض المصري والدولي.

هذا النفي الأميركي يُقرأ كمحاولة للنأي بالنفس عن مشروع يفتقد الشرعية، لكنه في الوقت ذاته لا ينفي التواطؤ الضمني عبر دعم دولة الاحتلال في مجلس الأمن والمحافل الدولية.

الإمارات: تسهيلات مالية مقابل التهجير

الدور الإماراتي يبرز هنا باعتباره الأخطر. فبحسب مصادر دبلوماسية، تعرض أبوظبي حوافز اقتصادية واستثمارات مباشرة في الدول المستهدفة مقابل قبولها إعادة توطين فلسطينيين. هذه الإغراءات تشمل تمويل مشاريع بنية تحتية، وإنشاء مجمعات سكنية، وتقديم قروض ومنح مالية ضخمة.

ويقرأ مراقبون هذا الدور في سياق سياسة إماراتية أوسع تهدف إلى تعزيز موقعها كوسيط إقليمي مقبول لدى الغرب، حتى لو جاء ذلك على حساب الحقوق الفلسطينية.

فالتهجير الجماعي – إذا تحقق – سيكون سابقة خطيرة تسجل باسم الإمارات كطرف متورط في شرعنة مخطط استيطاني–اقتلاعي إسرائيلي طالما كان مرفوضًا عربيًا.

من الحرب إلى الهندسة الديموغرافية

المخطط الإسرائيلي يعكس استراتيجية جديدة في إدارة الصراع، تقوم على الهندسة الديموغرافية بدلًا من الحلول السياسية.

فبعد سنوات من الحصار والحروب، يسعى الاحتلال لاستغلال الكارثة الإنسانية في غزة – بما فيها المجاعة وانهيار البنية الصحية – لطرح خيار “الخروج الجماعي” كحل عملي أمام الفلسطينيين.

هذا التوجه يشكل خرقًا واضحًا للقانون الدولي ولاتفاقيات جنيف، إذ يعتبر التهجير القسري جريمة حرب. كما أنه يتناقض مع قرارات الأمم المتحدة التي تكرّس حق الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم وعدم جواز طردهم منها.

مصر في قلب المواجهة

يبقى الموقف المصري حجر العثرة الأبرز أمام المخطط. القاهرة تعرف أن أي تنازل في ملف سيناء يعني فتح باب فوضى يصعب السيطرة عليها، خاصة في منطقة حساسة أمنيًا واجتماعيًا.

لذلك جاء الرد المصري صارمًا، إذ لم يكتفِ بالرفض بل واجه الضغوط الأميركية والإسرائيلية بمواجهة كلامية مباشرة، وصلت حد “الصراخ المتبادل” في الاجتماعات.

لكن الضغوط قد لا تتوقف هنا، إذ تحاول دولة الاحتلال وحلفاؤها الالتفاف عبر دول عربية وإفريقية أخرى، معتمدة على المال السياسي والإغراءات الاقتصادية التي تقودها الإمارات.

وتكشف هذه التسريبات أن المشروع الإسرائيلي لإعادة توطين فلسطينيي غزة ليس فكرة عابرة، بل خطة جارية بتنسيق مع قوى إقليمية، تتقدمها الإمارات عبر الإغراءات المالية.

واستمرار التدهور الإنساني في غزة يهدد بتحويل التهجير القسري إلى “خيار إجباري” يُفرض على الفلسطينيين. فالقضية ليست مجرد محادثات دبلوماسية، بل معركة وجودية تمس جوهر القضية الفلسطينية.

وإذا ما قُدّر لهذا المخطط أن ينجح، فسيكون بمثابة الضربة الأشد لمبدأ حق العودة وللشرعية الدولية نفسها. أما إذا أُفشل، فسيبقى شاهدًا جديدًا على محاولات دولة الاحتلال وأعوانها إعادة صياغة المشهد الديموغرافي الفلسطيني بوسائل غير قانونية وغير إنسانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى