
في واقعة تُسلّط الضوء على تصاعد الانتهاكات داخل مراكز التوقيف الأردنية، فقد المعتقل السياسي حمزة بني عيسى البصر بشكل كامل في عينه اليسرى، بعد تعرضه لتعذيب قاسٍ خلال احتجازه في مركز أمني بمحافظة إربد، وذلك إثر نشره محتوىً على مواقع التواصل الاجتماعي يدعو فيه لدعم أهالي غزة.
ورغم مرور أكثر من ثلاثة أشهر على الحادثة، لا يزال الشاب رهن الاعتقال، فيما طُوي ملف محاسبة الجناة بذريعة “عدم كفاية الأدلة”.
مداهمة ليلية وتوقيف تعسفي
وفجر يوم الثلاثاء 25 مارس/آذار 2025، اقتحمت قوة أمنية منزل الشاب حمزة بني عيسى في محافظة إربد شمالي الأردن، واعتقلته دون إبراز أمر قضائي.
ووفق ما أكدته عائلته، فقد تم اقتياده إلى مركز أمن إربد الشرقي، حيث تعرض لسوء المعاملة منذ اللحظة الأولى، على خلفية نشره لمنشور إلكتروني يدعو فيه لنصرة الشعب الفلسطيني في غزة خلال شهر رمضان.
حمزة بني عيسى يفقد بصره
وخلال فترة احتجازه الأولى، تعرّض حمزة لجملة من الانتهاكات الممنهجة، بدأت بإجباره على التفتيش العاري، ثم الاعتداء الجسدي المباشر من قبل عناصر الأمن الوقائي والأمن العام.
وفي غرفة احتجاز خالية، وأثناء صيامه، تعرّض لاعتداء جسدي عنيف، حيث قام سبعة من الضباط بضربه بشدة، قبل أن يتلقى ضربة مباشرة على عينه اليسرى تسببت بانفجار المقلة وانفصال الشبكية والعدسة.
والإصابة الخطيرة لم يُلتفت لها طبيًا إلا بعد مرور أكثر من 12 ساعة على الحادثة، رغم النزيف الحاد الذي تعرض له.
ونُقل الشاب لاحقًا إلى مستشفى الأميرة بسمة، وخضع لعملية ترميم للعين، لكنها جاءت متأخرة، وبدون استكمال للرعاية الطبية اللازمة داخل السجن.
وأكدت العائلة أن حالته تفاقمت نتيجة الإهمال، مما أدى إلى تلف كامل في شبكية العين وفقدان الرؤية بشكل نهائي، ليصبح الضرر غير قابل للعلاج.
النيابة العسكرية تُغلق الملف
وبدلًا من مساءلة المتورطين في الاعتداء، قررت النيابة العسكرية في محافظة إربد إسقاط التهم عن العناصر الأمنية المشاركة في تعذيب حمزة بني عيسى، بذريعة عدم وجود أدلة كافية على الجريمة، رغم وضوح الأضرار الجسدية وتوقيت الإصابة.
وفي المقابل، أبقت السلطات على المعتقل رهن التوقيف، ورفضت الإفراج عنه بكفالة.
ويواجه حمزة حاليًا قضيتين أمام المحاكم الأردنية: الأولى أمام محكمة أمن الدولة بتهمة “التحريض”، والثانية أمام محكمة جزاء إربد بتهمة “مقاومة رجال الأمن”، وهي التهمة التي رجّحت العائلة أنها وُضعت لتبرير الاعتداء عليه بعد وقوعه.
مطالبات بالإفراج والمحاسبة
ووالد المعتقل، محمد بني عيسى، وصف ما جرى بأنه “جريمة مركبة”، تتضمن اعتداء جسديًا متعمدًا، وإهمالًا طبيًا ممنهجًا، وقرارًا سياسيًا بالإفلات من العقاب.
وأكد أن استمرار توقيف نجله في ظل إصابته الخطيرة يعكس “توجها واضحًا لقمع الأصوات الداعمة لفلسطين”، مطالبًا بالإفراج الفوري عنه، وفتح تحقيق نزيه يُفضي إلى محاسبة كافة المتورطين.
وتكشف حادثة حمزة بني عيسى عن حجم الانحدار في أوضاع الحريات العامة وحقوق الإنسان في الأردن، حيث باتت المنشورات الإلكترونية ذات الطابع التضامني تُقابل بالاعتقال، والتعذيب، وملفات قضائية، بينما يغيب الردع القانوني تجاه المتورطين في الانتهاكات الأمنية.