مؤسسة فارس العرب: أداة لتجويع وإذلال أهل غزة

في قطاع غزة، حيث لا تكاد تنقطع أصوات القصف ولا تندمل جراح الحصار، تتوالى الفضائح التي تكشف كيف يجري استغلال المعاناة الإنسانية لأكثر من 2.3 مليون فلسطيني محاصرين منذ أكثر من 18 عامًا ويتعرض لحرب إبادة جماعية منذ أكثر من 20 شهرا.
آخر تلك الفضائح تطال مؤسسة فارس العرب الخيرية، فرع غزة، التي يُوجَّه إليها اتهام بأنها تحوّلت من مؤسسة خيرية إلى أداة لابتزاز الناس وتجويعهم وإذلالهم، في خضم حرب الإبادة التي يتعرض لها القطاع منذ السابع من أكتوبر 2023.
مؤسسة تعتريها المصداقية والشفافية
مؤسسة فارس العرب، التي تُقدِّم نفسها باعتبارها مؤسسة إنسانية تعمل على تخفيف الأعباء عن المواطنين وتوزيع المساعدات الغذائية والمالية، فقدت مصداقيتها في عيون الكثيرين في غزة.
والمؤسسة لم يعد يُنظر إليها كجهة إغاثية نزيهة، بل كجزء من شبكة الفساد التي تتلاعب بأوجاع الناس لمصالح ضيقة، سواء كانت مصالح مالية أو سياسية أو حتى شخصية.
الفضيحة الأخيرة التي فجّرت غضب الشارع الغزي تمثلت في إرسال المؤسسة رسائل نصية إلى عدد من المواطنين في جنوب ووسط غزة، تدعوهم للتوجه إلى شمال غزة وتحديدًا إلى حي النصر قرب مخبز الشرق لاستلام «كابونات غذائية وطحين»، بالتعاون مع برنامج الأغذية العالمي (WFP).
ويبدو الأمر للوهلة الأولى خطوة إنسانية، لكنها تحمل في طياتها ملامح عبث واستهتار بأرواح الناس وظروفهم المأساوية.
تكليف المستحيل في خضم حرب الإبادة
منذ اندلاع حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، بات الوصول إلى شمال القطاع شبه مستحيل. القوات الإسرائيلية دمّرت الطرق والبنية التحتية، وفرضت مناطق عسكرية مغلقة، وحوّلت الشمال إلى منطقة منكوبة خالية تقريبًا من السكان، بعد تهجير مئات الآلاف بالقوة أو تحت تهديد المجازر.
في ظل هذه الظروف، يُعدّ توجيه المواطنين من جنوب ووسط غزة إلى الشمال لاستلام المساعدات خطوة أقرب إلى المستحيل، بل يُنظر إليها كعمل غير إنساني وغير أخلاقي.
فهي تعني أن على العائلات الفقيرة، التي بالكاد تجد قوت يومها أو تتحرك بين ركام بيوتها، أن تقطع مسافات طويلة عبر حواجز عسكرية وخطر القصف المستمر، من أجل حفنة طحين أو كابونة غذائية.
هذا السلوك، بحسب نشطاء ومراقبين محليين، يُعَدّ «تلاعبًا بأرواح الناس وإذلالًا متعمَّدًا لهم»، ويطرح تساؤلات خطيرة حول مصداقية المؤسسة، ومدى ارتباطها بشبكة مصالح لا ترى في الغزيين سوى وسيلة للحصول على تمويلات إضافية من الجهات المانحة.
إذلال الناس وتجويعهم
ليست هذه المرة الأولى التي تُتهم فيها مؤسسة فارس العرب بسلوك غير نزيه.
تتردد في أوساط الغزيين قصص عديدة عن محسوبيات في توزيع المساعدات، وعن تفضيل أسر محسوبة على جهات معينة أو موظفين داخل المؤسسة، في حين يُترك الفقراء الذين لا ظهر لهم ينتظرون لساعات طويلة وربما يخرجون خالي الوفاض.
الأدهى أن المؤسسة، كما يقول بعض المستفيدين السابقين، تستخدم بيانات الناس للحصول على تمويلات جديدة، دون ضمان وصول تلك المساعدات لمن يستحقها.
أي أنها تُحوّل الفقر إلى سلعة مربحة، تُقدَّم بها تقارير وصور إلى الجهات المانحة، بينما يقف الناس في الطوابير أو يُرسل بهم إلى مناطق الموت بحثًا عن كيس طحين.
شبهة تواطؤ أو سوء إدارة
خطورة ما يجري لا تقتصر على بُعده الإنساني والأخلاقي، بل تفتح الباب أمام شبهة تواطؤ أو سوء إدارة. فإرسال الناس إلى شمال غزة ليس مجرد خطأ إداري بسيط.
بل يشير إلى احتمال وجود خلل جوهري في آلية العمل داخل المؤسسة، أو محاولة إظهار نشاط وهمي أمام المانحين الدوليين للحصول على المزيد من الدعم المالي.
كما يثير تعاون فارس العرب مع برنامج الأغذية العالمي في هذه الآلية أسئلة حول مدى اطلاع المؤسسات الدولية على حقيقة الوضع الميداني. إذ كيف تسمح الأمم المتحدة أو برنامج الأغذية العالمي بإدراج مواقع توزيع مساعدات في منطقة شبه خالية من السكان أو خطيرة للغاية على حياة المدنيين؟
مطالب بالمحاسبة
في غزة، بات صوت المطالبين بمحاسبة مؤسسة فارس العرب يتعالى، ليس فقط على المستوى القانوني بل على الصعيد العشائري أيضًا. ففي المجتمع الغزي، تلعب البنى العشائرية دورًا مؤثرًا، خصوصًا في حالات الظلم الاجتماعي أو التلاعب بأرزاق الناس.
وهناك من يطالب برفع القضية إلى القضاء الفلسطيني أو حتى إلى المؤسسات الدولية التي تموّل مثل هذه الأنشطة، لوضع حد للعبث بالمساعدات الإنسانية.
في النهاية، لا يحتاج أهل غزة إلى مزيد من إذلالهم وتجويعهم. فهم ضحايا حرب إجرامية وحصار خانق، وأقل ما يستحقونه هو أن تصل إليهم المساعدات بكرامة وعدالة. لكن، في ظل فساد مؤسسات مثل فارس العرب، يبدو أن حتى لقمة العيش تحوّلت إلى أداة جديدة في حرب إذلال غزة المستمرة.