تحليلات واراء

شبكة “أفيخاي” وخطة التجويع: كيف تتحوّل المساعدات إلى أداة حرب؟

تستميت شبكة افيخاي في الدفاع والترويج لخطة المساعدات الإسرائيلية إلى قطاع غزة وتكثف أنشطتها المشبوهة للتغطية على مؤامرة تحوّيل المساعدات إلى أداة حرب بوصفها “بوابة النجاة” للمدنيين في غزة، في حين أنها في الحقيقة مجرّد وجه آخر لحرب التجويع الجماعية التي يُراد لها أن تكون أداة طيعة لإخضاع السكان وفرض الاستسلام.

والمفارقة الصارخة التي تفضح الدور التنسيقي لهذه الشبكة، هي حالة التكرار الحرفي في التعليقات والتغريدات التي تنشرها حساباتهم إذ تحمل جميعها الصيغة نفسها تقريبًا: “المساعدات مستمرة، الخطة تتقدّم، المدنيون سيتمكنون من الوصول إلى النقاط الجديدة”.

يترافق ذلك مع تحريض سافر ضد فصائل المقاومة وتشويه الموقف الفلسطيني الرافض لخطة المساعدات الإسرائيلية ومحاولة الربط بين مساعدات المنحة القطرية التي كانت تقدم إلى غزة وخطة تكريس التجويع في خضم الحرب.

ويتم ذلك بموازاة تكثيف شبكة افيخاي نشر خريطة “مُعدّلة” جديدة لمسارات الطعام، صادرة عن الشركة الإسرائيلية-الأميركية التي باتت مسؤولة فعليًا عن هندسة مسارات الموت تحت غطاء “العمل الإنساني”.

لا تعكس هذه التعليقات مجرّد اجتهادات فردية أو اقتناعات شخصية، بل تعبّر عن حملة منظمة ذات إدارة مركزية، هدفها إقناع الجمهور — خاصة في العالم العربي — بأن دولة الاحتلال “تفعل ما بوسعها” من أجل تزويد المدنيين بالغذاء، وأن العرقلة الحقيقية “تأتي من فصائل المقاومة أو الفوضى الأمنية”.

وذلك في تنصّل تام من المسؤولية الكاملة التي تتحملها دولة الاحتلال عن تدمير البنية الغذائية واللوجستية في القطاع، واستهداف الشاحنات، ومطاردة المزارعين، وإغلاق المعابر.

الترويج لمنظومة تجويع مغلّفة بالإغاثة

رغم أن الخطة التي وضعتها الشركة الإسرائيلية-الأميركية المنخرطة في مسار المساعدات تواجه انتقادات واسعة من المؤسسات الدولية بسبب إخفاقها في توفير مسارات آمنة وعادلة لتوزيع الطعام، وتحوّلها إلى أداة فرز سكاني وإجبار جماعي على التحرك جنوبًا، فإن شبكة “أفيخاي” تبدو منشغلة في مهمّة عكسية تمامًا: تصوير كل خطوة في هذه الخطة كمكسب إنساني، وتضخيم أي تطور هامشي — مثل نشر خريطة أو فتح نقطة توزيع محدودة — بوصفه “دليلًا على حسن النية” و”حرصًا على المدنيين”.

هذا النهج يطرح تساؤلات جوهرية حول طبيعة المهمة الإعلامية التي تؤديها هذه الشبكة: هل هي مجرد قناة دعائية؟ أم أنها جزء من بنية السيطرة الإسرائيلية على البيئة النفسية والذهنية للفلسطينيين المحاصرين، عبر زرع خطاب الاستسلام على هيئة “واقعية” و”حلول مؤقتة”؟

ليس سرًا أن التجويع سلاح قديم في ترسانة الاحتلال، لكنه في هذه المرحلة يستخدم ضمن هندسة معقدة: تُعرض المساعدات ضمن “مسارات محدّدة”، وتُربط هذه المسارات بشروط أمنية وحركة قسرية، ثم يُطلب من السكان أن يبرّروا قبولهم بهذه المعادلة المسمومة على أنها “ضرورة إنسانية”.

هنا، يأتي دور شبكة “أفيخاي” في تلميع هذه الخطة، وتقديمها بلغة مزيّفة تتحدث عن “الإغاثة”، بينما الواقع أنها صيغة متقدمة من الإخضاع الجماعي.

ليس أدلّ على ذلك من تلك الحملات المتزامنة التي تطلقها هذه الشبكة لحثّ الناس على “الاستفادة من الفرصة”، والذهاب إلى النقاط المحددة، و”عدم الإصغاء للدعوات التحريضية”، في محاولة لتأطير كل من يرفض الانخراط في هذه الخطة كمعرقل، أو حتى كمتطرّف.

الخرائط المتكررة: من التضليل إلى الإذلال

في كل أسبوع تقريبًا، تنشر الشركة الإسرائيلية-الأميركية خريطة جديدة لمسارات توزيع الطعام، يتبعها فورًا إطلاق عاصفة من المنشورات من قبل أعضاء “شبكة أفيخاي”، مرفقة برسائل تبشيرية على شاكلة: “انظروا، نحن نبذل جهدنا”، و”المدنيون يمكنهم الوصول”، و”الطعام متوفّر”.

لكن الحقيقة على الأرض أن هذه المسارات غير آمنة، وأن النقاط المستهدفة بالتوزيع تُقصف أحيانًا بعد ساعات من إعلانها، وأن الطوابير على الطعام صارت جزءًا من الحرب النفسية اليومية.

الخرائط لا تؤدي وظيفتها الإعلامية فقط، بل تستخدم أداة لإرباك السكان وتشتيت قدرتهم على التنظيم المجتمعي، إذ تتغيّر باستمرار دون إشعار مسبق، ما يدفع الناس إلى التنقّل العشوائي والمُنهِك في بيئة مدمّرة، وسط انتشار الفوضى والنهب.

شبكة “أفيخاي” تتجاهل هذا الواقع تمامًا، وتركّز فقط على “الصورة الرمزية”: طائرة مساعدات، نقطة توزيع، خريطة جديدة، طفل يحمل كيس دقيق.

حملة موجهة لتبرئة الاحتلال

من المهم فهم أن هذه الجهود الدعائية لا تستهدف فقط الرأي العام المحلي، بل تخدم هدفًا آخر أكثر خبثًا: تبييض صورة دولة الاحتلال أمام العالم، ولا سيما أمام الولايات المتحدة والدول الغربية التي تواجه ضغوطًا متزايدة لوقف دعمها لحرب التجويع.

في هذا السياق، تصبح شبكة “أفيخاي” عنصرًا مساعدًا في تغطية الفشل الإنساني الإسرائيلي، بل والترويج له كنجاح. فالمنشورات التي توحي بأن الناس في غزة يتلقّون المساعدة، وتتلقّفها وسائل إعلام موجهة، تُستخدم لاحقًا في المحافل السياسية للقول: “انظروا، الوضع ليس بالسوء الذي تصفونه، نحن نبذل جهدًا”.

وما تقوم به شبكة “أفيخاي” هو أكثر من مجرّد دعاية، إنه مشاركة فعلية في حرب الإخضاع، عبر تقديم الخطة الإسرائيلية للتجويع الجماعي كخطة “إنقاذ”. هي إعادة صياغة لواحدة من أفظع الجرائم الجماعية الجارية في عصرنا، بلغة ناعمة وخرائط ملوّنة ومنشورات متفائلة.

لكن الحقيقة لا تُطمس بهذه السهولة. فواقع الجوع والدمار في غزة أكبر من أن يُوارى خلف خطاب منمّق أو خطة تسويق. والتاريخ لن يغفر لمن شارك في الترويج لهذه الكارثة، سواء أكان عسكريًا أو إعلاميًا، رسميًا أو منخرطًا في شبكة “أفيخاي” التي قررت أن تكون في صف الجلاد، لا الضحية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى