تحليلات واراء

ياسر أبو شباب: صنيعة الاحتلال لإعادة استنساخ جيش لحد في غزة

مدعوم من أمن السلطة الفلسطينية والإمارات

بينما يعيش قطاع غزة تحت وطأة واحدة من أعتى حروب الإبادة الجماعية التي تشنّها دولة الاحتلال الإسرائيلي منذ عقود، وبينما يقاوم سكانه بأسنانهم وجوعهم وقضيتهم، تبرز إلى السطح شخصيات مشبوهة ترتدي عباءة “العمل الإنساني”، لكنها في الواقع تلعب دور رأس الحربة في مشروع الاحتلال لإعادة تشكيل غزة على هوى منظومة أمنية إسرائيلية جديدة.

في طليعة هذه الوجوه يقف ياسر أبو شباب، نموذجًا فجًا لحالة الارتزاق الأمني والسياسي، حيث تلتقي فيه مصالح الاحتلال الإسرائيلي مع أجهزة السلطة الفلسطينية ومموّليها في أبوظبي، ضمن مشروع لإعادة إنتاج نسخة فلسطينية من “جيش لحد” سيء الصيت في جنوب لبنان، ولكن هذه المرة على أرض غزة.

ولادة المشروع: فوضى مُصطنعة وميليشيا وظيفية

أبرزت صحيفة الأخبار اللبنانية، أنه في أيار/مايو 2024، ومع بدء الاجتياح البري الإسرائيلي لمحافظة رفح، ظهر اسم ياسر أبو شباب إلى العلن، لا كمقاوم أو ناشط إغاثي، بل كقائد مجموعة مسلحة تنفذ عمليات قطع طرق وسرقة مساعدات، وتدفع عمداً نحو تصادمات مع أمن المقاومة.

ونبهت الصحيفة إلى أن تلك الفوضى لم تكن عشوائية؛ بل كانت مقدّمة ممنهجة لتحويل هذه العصابة إلى ميليشيا أمنية تعمل ضمن المشروع الاحتلالي في المناطق التي يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي جنوب القطاع.

التحول النوعي في دور “أبو شباب” توّجته المقاومة الفلسطينية بتسجيل مصوّر يُظهر اشتباكاً مع عناصر تنكّروا في زي مدني تبين لاحقاً أنهم أفراد من مجموعته، أي أنهم بمثابة “مستعربين فلسطينيين” يعملون لصالح الاحتلال.

بنية التنظيم وتمويل السلطة

تشير مصادر أمنية إلى أن ميليشيا “أبو شباب” تضم ما لا يقل عن 300 عنصر، جرى استقطاب جزء منهم عبر جهاز المخابرات التابع للسلطة الفلسطينية، وخاصة من موظفي “تفريغات 2005″، وهي فئة من عناصر كتائب شهداء الأقصى الذين دمجهم محمود عباس في أجهزة الأمن قبيل انتخابات 2006.

أما التمويل، فيقول المصدر إن كل عنصر يتقاضى راتباً أساسياً مضافاً إليه 3 آلاف شيكل شهرياً.

فيما الأدوار، فمتعددة: من تمشيط مناطق محتلّة، إلى فرض السيطرة على الطرق، وحتى تنفيذ عمليات قتل وسرقة. من بين الأسماء التي وردت في التحقيقات، عنصر يدعى “ع.ن.” قتل مقاومين في النصيرات وسلب عتادهم، وآخر من دير البلح نفّذ عمليات اغتيال بحق مدنيين.

دعم إماراتي: قناع الإغاثة لذراع التهجير

في هذا السياق، يُطرح اسم الإمارات كممول أساسي للمشروع عبر واجهات متعددة، أبرزها: “الهلال الأحمر الإماراتي”، و”اللجنة الوطنية للشراكة والتنمية”، و”الفارس الشهم”. جميعها توحّدت لاحقاً تحت عملية “الفارس الشهم”، والتي يشرف عليها تيار محمد دحلان، رجل الأمن الذي بات أحد أذرع أبوظبي الإقليمية.

سمحت سلطات الاحتلال لهذه الجهات بإدخال الأموال والمساعدات بشكل مباشر، ما منحها امتيازات غير مسبوقة مقابل تقديم “خدمة أمنية”: السيطرة على المساعدات، تشكيل قنوات ضغط ناعم لتهجير الأهالي، واستخدام العمل الإغاثي كغطاء لجمع المعلومات، وتأمين حواضن اجتماعية لنفوذ الاحتلال.

وتشير المعلومات إلى أن الاحتلال طلب من الإمارات تجميع المساعدات في “بركس” واحد في رفح، جُهز بمخابز وباصات نقل ومولدات كهربائية، في خطوة تتقاطع مع الخطة الأميركية – الإسرائيلية لعزل السكان في منطقة المواصي، تمهيداً لإعادة تشكيل غزة وفق تصوّرات أمنية جديدة.

عندما يتقاطع المال السياسي مع الدم

لم يأتِ هذا المشروع الأمني من فراغ. فقد سبقه تمهيدٌ مجتمعي وأمني قاده ياسر وشقيقه عرفات أبو شباب، أحد أشهر وجوه الإجرام في رفح خلال مرحلة ما بعد الانقسام.

عرفات، الذي قاد في السابق “فرق الموت” سيئة الصيت، عاد اليوم عبر شقيقه ليشرف ميدانياً على عمليات فرض الإتاوات، السطو، وتهديد التجار، وحتى اقتحام منازل نشطاء المقاومة.

هذا الثنائي تحوّل إلى عنوان لتقويض النظام المدني، في لحظة كانت غزة أحوج ما تكون إلى تماسكها الاجتماعي. بدلاً من ذلك، عملت مجموعاتهما على تشويه العمل الإغاثي، ابتزاز المتطوعين، والتدخل في عمل المنظمات الإنسانية، بل وبيع شحنات مساعدات في السوق السوداء.

براءة العائلة: إعلان موت اجتماعي

في خطوة غير مسبوقة، أصدرت عائلة أبو شباب بياناً وطنياً أعلنت فيه البراءة التامة من ياسر وعرفات، مطالبة بقتل الأول، معتبرة أن ما يقوم به “يمسّ بشرف العائلة وتاريخها”. جاء هذا البيان بعد أن تبيّن للعائلة عبر صور وفيديوهات أن من كانوا يعتقدون أنه يساعد الناس، إنما يتحرك ضمن ميليشيا تؤدي وظائف المستعربين.

تلك البراءة لم تكن شكلية، بل كانت إعلاناً صريحاً بسقوط الغطاء الاجتماعي عن مشروع ياسر، وهو ما اعتُبر في عرف غزة حكماً ميدانياً بنهاية دوره الأخلاقي.

القرار: تصفية خلية الاحتلال

في المقابل، أصدرت المقاومة، ممثلة بـ”كتائب القسام”، قراراً مركزياً بتصفية هذه الخلية.

وبدأت فعلاً عمليات ميدانية لاغتيال عناصر المجموعة المسلحة، التي اعتُبرت “وحدات متقدمة من الجيش الإسرائيلي داخل القطاع”. ووفق مصادر المقاومة، فإن الإعدامات ستستمر في إطار عملية تطهير داخلي لضمان صمود الجبهة.

ويأتي ذلك فيما يؤكد مراقبون أن ما يجري اليوم ليس حالة فردية ولا خطأً عارضاً. إنه مشروع منظم لإعادة إنتاج جيش أمني فلسطيني يعمل ضمن الجيش الإسرائيلي، تقوده شخصيات مشبوهة كـياسر وعرفات أبو شباب، بتمويل إماراتي ورعاية أمنية من السلطة.

بل هو امتداد طبيعي لفلسفة “التنسيق الأمني” التي لطالما اعتبرتها إسرائيل أحد أعمدة أمنها القومي، لكنها هذه المرة ترتدي قناع “الإغاثة الإنسانية” وتتحرك في أحياء منهكة بالقصف والمجازر.

وفي مواجهة هذا المشروع، تتكشّف اليوم أهمية الحاضنة الشعبية للمقاومة، لا فقط في دعم السلاح، بل في نبذ الخيانة، وعزل عملائها، وإسقاط الأقنعة عن مشاريع الاحتلال بأذرعه الناعمة. فمعركة غزة اليوم، كما هي على الجبهات، هي أيضاً في الوعي، والانتماء، والأخلاق الوطنية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى