إسرائيل تخطط للعودة إلى قبر يوسف والسلطة تغيب عن المشهد

في خطوة تصعيدية تحمل أبعادًا دينية وسياسية خطيرة، كشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية أن القيادة المركزية لجيش الاحتلال الإسرائيلي تدرس إعادة الوجود اليهودي الدائم في قبر يوسف بمدينة نابلس، لأول مرة منذ انسحاب قوات الاحتلال من المكان قبل 25 عامًا.
وهذه التحركات تأتي ضمن مناخ متفجر في الضفة الغربية، وسط غياب كامل للسلطة الفلسطينية التي لم تُصدر حتى إدانة شكلية.
مشروع احتلالي جديد بغطاء ديني
وبحسب مصادر عبرية، من المتوقع تقديم تقرير أمني خلال الأسابيع القادمة بشأن الجوانب اللوجستية والعسكرية لإقامة نقطة دائمة في الموقع، بدعم من وزراء في حكومة نتنياهو وجماعات استيطانية متطرفة، تستعد لعقد مؤتمر خاص حول القبر للضغط على الحكومة لتثبيت هذا التوجه.
وتُحذر جهات أمنية إسرائيلية من أن هذه الخطوة قد تُشعل تصعيدًا واسعًا في الضفة الغربية، نظرًا لما يحمله قبر يوسف من رمزية دينية وسياسية حساسة لدى الفلسطينيين.
قبر يوسف وغياب السلطة الفلسطينية
وفي ظل هذه التطورات، لم تُصدر السلطة الفلسطينية أي بيان أو تعليق أو حتى موقف إعلامي رسمي. لا من رئاسة السلطة، ولا من الحكومة، ولا من منظمة التحرير، في صمت كامل يرقى إلى مستوى التواطؤ السياسي مع مشروع فرض السيادة الإسرائيلية داخل مناطق تُصنف “أ” حسب اتفاق أوسلو.
ويرى مراقبون أن هذا التجاهل يعكس أزمة شرعية حادة تعيشها السلطة، التي باتت تكتفي بدور “جهاز تنسيق أمني” لا يتجاوز حد ضبط الفلسطينيين، بينما يواصل الاحتلال والمستوطنون تنفيذ خططهم دون أي رادع.
قبر يوسف
ويقع قبر يوسف في منطقة شرقي نابلس، وكان يُدار قبل احتلال 1967 كمقام إسلامي بسيط تحت إشراف الأوقاف الأردنية.
وبعد الاحتلال، بدأ المستوطنون المتدينون يطالبون بزيارته بزعم أنه قبر النبي يوسف عليه السلام، استنادًا إلى روايات توراتية.
وغير أن العديد من المؤرخين وعلماء الآثار، مثل “إسرائيل فينكلشتاين” و”دنيس برينغل”، يشككون في أصالة الموقع، ويُرجّحون أنه ضريح محلي لشيخ مسلم يُدعى يوسف الدويكات. كما لا توجد أي دلائل أثرية تؤكد وجود القبر قبل القرن التاسع عشر.
تهويد متسارع في ظل انكشاف السلطة
ورغم تصنيف نابلس ضمن مناطق السلطة الفلسطينية بموجب اتفاق أوسلو، استثني قبر يوسف وسمح للجيش الإسرائيلي بالوجود فيه لحماية زيارات المستوطنين.
ومع اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، انسحبت قوات الاحتلال من القبر، وسيطر عليه الفلسطينيون لأول مرة، قبل أن يتم حرقه، ما زاد من رمزيته في الخطاب الإسرائيلي الديني والقومي.
منذ ذلك الحين، يستمر الاحتلال في تنظيم اقتحامات ليلية دورية تحت حماية عسكرية مشددة، ما يتسبب غالبًا بمواجهات دموية، وآخرها مساء الخميس الماضي حين اقتحم عشرات المتدينين اليهود الموقع، واندلعت مواجهات مع شبان فلسطينيين أُصيب فيها عدد من المستوطنين.
وعام 2025، وفي ظل استمرار العملية العسكرية الإسرائيلية المعروفة باسم “الجدار الحديدي”، عاد ملف قبر يوسف إلى الواجهة.
وطالب قادة استيطان بارزون مثل الحاخام دودو بن ناتان ويوسي داغان بإعادة الوجود اليهودي الدائم، وسط دعم من داخل الكنيست والجيش.
وفي هذا السياق، قالت الكاتبة والمحللة السياسية لما صبحي عواد إن الضفة الغربية تعيش مرحلة بالغة التعقيد سياسيًا وأمنيًا، حيث يتسارع الاستيطان بوتيرة غير مسبوقة، وتحولت مشاريع البناء إلى تهجير ممنهج واعتداءات مباشرة، في مقابل سلطة فلسطينية فقدت قدرتها على الفعل أو التأثير.
وأضافت: “لم يعد الاستيطان مجرد توسع جغرافي، بل محاولة لإعادة تشكيل الوعي والهوية والسيطرة الكاملة على الأرض، بينما تعاني السلطة من تفكك داخلي وتراجع في شرعيتها ومكانتها أمام شعبها.”
قبر يوسف كمرآة لانهيار السيادة الفلسطينية
والمشروع الإسرائيلي الجديد في قبر يوسف ليس مجرد نزعة دينية، بل أداة استراتيجية لفرض السيادة الاحتلالية داخل مناطق يُفترض أنها خاضعة للسلطة الفلسطينية. وبدل أن تتحرك السلطة سياسيًا ودبلوماسيًا لمواجهة هذا التوجه، تلوذ بالصمت التام، دون موقف، أو تحرك، أو حتى تصريح إعلامي.
وإن هذا الغياب الكارثي عن معركة الدفاع عن السيادة لا يُظهر عجزًا فحسب، بل يعكس واقعًا مريرًا تعيشه السلطة الفلسطينية التي تحوّلت إلى كيان منزوع الإرادة، غائب عن نقاط الاشتباك، وعاجز عن حماية أرضه وشعبه في وجه التغوّل الاستيطاني المتسارع.