معالجات اخبارية

منظومة الدفاع الإسرائيلية تواجه خطر الانهيار التدريجي

منذ سنوات، تغنت الحكومات الغربية والإعلام الدولي بقدرة دولة الاحتلال الإسرائيلي العسكرية، وخصوصًا بمنظومات الدفاع التي وُصفت بـ”الطبقية والمتفوقة عالميًا”.

لكن مجريات الأشهر الأخيرة – وتحديدًا الضربة الإيرانية المركبة في يونيو 2025 – بدأت تطيح بهذه الأسطورة، كاشفة عن تآكل واضح في قدرة هذه المنظومات على حماية المجال الجوي الإسرائيلي. وما كان يروَّج له كحصن منيع، يتصدع اليوم أمام أعين العالم، بينما تتصاعد التحذيرات من انهيار وشيك في البنية الدفاعية للجيش الإسرائيلي.

الضربة الإيرانية تقلب المعادلة

بحسب تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، فإن تقييمًا استخباراتيًا مشتركًا بين الولايات المتحدة و(إسرائيل) خلص إلى أن منظومات الدفاع الإسرائيلية ستكون قادرة على صد الهجمات الصاروخية لمدة أقصاها 12 يومًا فقط دون تدخل أميركي مباشر.

ونقل التقرير عن مصدر مطلع أن تل أبيب باتت مضطرة إلى “اختيار ما تريد اعتراضه”، نتيجة الإرهاق الكبير الذي أصاب منظومتها الدفاعية بعد موجات متلاحقة من الهجمات.

ورجّح المصدر ذاته أن قدرة هذه المنظومات على اعتراض الصواريخ “ستنخفض بشكل حاد بنهاية الأسبوع”، ما يعني أن خطر الاختراقات الجوية سيزداد بشكل ملموس، وأن احتمالات سقوط الصواريخ على مناطق مأهولة ستكون أعلى من أي وقت مضى منذ بدء الحرب.

الفشل المتراكم للقبة الحديدية

الانتقادات لم تقتصر على وسائل الإعلام الأميركية، بل امتدت إلى الصحافة الأوروبية، حيث سلّط موقع إنسايد أوفر الإيطالي الضوء على ما اعتبره “صمتًا إعلاميًا غربيًا” تجاه فشل منظومة القبة الحديدية في صد الضربات الإيرانية الأخيرة.

واعتبر الموقع أن عجز دولة الاحتلال عن حماية أجوائها “تحول استراتيجي بالغ الخطورة”، مشيرًا إلى أن الواقع الميداني فضح هشاشة ما كان يُروّج له طويلاً باعتباره درعًا لا يُخترق.

ووفق التقرير، فإن نظام “القبة الحديدية” الذي طُور بدعم أميركي ضخم لم يكن معدًا للتعامل مع أنواع الصواريخ المتطورة التي استُخدمت في الهجوم الإيراني، بما فيها صواريخ كروز والصواريخ الباليستية، بل صُمم بالأساس لاعتراض صواريخ قصيرة المدى مثل “القسام” و”غراد”.

ومع دخول الصراع مرحلة الحرب النظامية ذات الطابع المركب، أثبت النظام عجزه، ما يدفع الخبراء للتشكيك في ملاءمته للمرحلة المقبلة.

انهيار منظومة الدفاع متعددة الطبقات

لا يقتصر القلق على القبة الحديدية، بل يشمل المنظومة الدفاعية الإسرائيلية بأكملها، التي توصف بأنها متعددة الطبقات وتشمل:

مقلاع داوود: مصمم للتعامل مع الصواريخ المتوسطة والصواريخ الجوالة، لكنه أثبت محدودية في التصدي لهجمات معقدة ومتزامنة.

آرو 2 وآرو 3: موجهان لاعتراض الصواريخ الباليستية بعيدة المدى، لكن تجربتهما في الحرب الأخيرة أظهرت اختراقات خطيرة، رغم تدخل الدفاعات الأميركية والبريطانية.

اللافت أن جزءًا من نجاح الدفاع الجوي الإسرائيلي في صد بعض الصواريخ لم يكن بجهود داخلية، بل بفضل مشاركة مباشرة من أنظمة دفاعية غربية – بينها بطاريات أميركية وفرنسية وبريطانية – ما يسلّط الضوء على اعتماد دولة الاحتلال المتزايد على الدعم الخارجي في حماية أمنها.

الإعلام الغربي والتواطؤ الصامت

يرى إنسايد أوفر أن الخطر الحقيقي لا يكمن فقط في التراجع التقني لأنظمة الدفاع، بل في استمرار الإعلام الغربي في ترويج صورة إسرائيل كقوة لا تُقهر.

هذا الإعلام، بحسب التقرير، يعيد إنتاج أوهام التفوق العسكري الإسرائيلي، كما فعل سابقًا في الحرب الأوكرانية، متجاهلًا الثغرات التي أظهرتها الهجمات الإيرانية في البنية الأمنية الإسرائيلية.

وبينما كانت صواريخ إيرانية متعددة تُخترق المجال الجوي الإسرائيلي وتوقع أضرارًا ملموسة، لم تسلّط كبريات الصحف الغربية الضوء على هذا الفشل، بل تمسّكت بالرواية الإسرائيلية الرسمية التي تقلل من حجم الخسائر وتُبرز “النجاحات التقنية” في اعتراض بعض التهديدات.

تساؤلات استراتيجية خطيرة

طرح تقرير إنسايد أوفر تساؤلًا صادمًا: “إذا كانت (إسرائيل) – الدولة الأكثر تسليحًا في الشرق الأوسط – عاجزة عن حماية أراضيها رغم كل الدعم الأميركي، فماذا عن عواصم أوروبية كروما أو باريس إذا تعرضت لهجوم مماثل؟”.

هذا التساؤل لا يستهدف فقط تل أبيب، بل يشير إلى أزمة أوسع تتعلق بالمنظومات الدفاعية الغربية، وإلى محدودية الفاعلية في بيئة الحروب الحديثة التي باتت تعتمد على تكتيكات الإغراق الصاروخي والطائرات المسيّرة.

نحو مرحلة جديدة من الهشاشة الأمنية

بات من الواضح أن دولة الاحتلال تدخل مرحلة جديدة من التحديات الدفاعية، عنوانها الأبرز: “تآكل الردع وتراجع القدرة الذاتية”.

ومع تصاعد التهديدات من أطراف متعددة – من إيران، اليمن، العراق، ولبنان – يبدو أن منظومة الردع الإسرائيلية لم تعد قادرة على توفير الغطاء الأمني الكامل.

وما يزيد الطين بلة أن مخزون صواريخ الاعتراض لدى دولة الاحتلال يُستنزف بسرعة، بينما تتردد واشنطن – تحت إدارة ترامب الجديدة – في تقديم الدعم اللوجستي والمالي المفتوح كما في السابق، في ظل أولويات داخلية أميركية وحسابات إقليمية متغيرة.

دولة الاحتلال ليست محصنة

التحولات العسكرية الأخيرة أثبتت أن دولة الاحتلال لم تعد “القلعة الدفاعية” التي طالما صوّرتها لنفسها وللعالم. منظوماتها الدفاعية تعاني من إنهاك متزايد، والاعتماد على الحلفاء أصبح ضرورة وجودية، لا خياراً استراتيجياً.

وإذا استمرت هذه الاتجاهات، فإن انهيارًا تدريجيًا في فعالية الدفاعات الإسرائيلية قد لا يكون احتمالًا بعيدًا، بل سيناريو قابلًا للتحقق في أي مواجهة إقليمية شاملة.

وفي عالم لا يعترف إلا بالحقائق الميدانية، تبدو صورة دولة الاحتلال العسكرية أقرب ما تكون إلى فقاعة دفاعية تكاد تنفجر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى