إسرائيل تستغل التصعيد مع إيران للتغطية على مأساة غزة والمجاعة

بينما تتجه أنظار العالم إلى السماء فوق طهران، حيث نفّذت دولة الاحتلال ضربات صاروخية مفاجئة على أهداف داخل إيران، تواصل غزة نزيفها البطيء تحت الحصار والمجاعة، وغياب الاهتمام الدولي.
هذا التصعيد العسكري الجديد لم يكن سوى غطاء فعّال لصرف الأنظار عن جرائم مروّعة تُرتكب يوميًا بحق أكثر من مليوني فلسطيني محاصرين، في وقت بدأت فيه الضغوط الدولية تتبلور لمساءلة دولة الاحتلال.
بحسب ما نقلته صحيفة الغارديان البريطانية فإن الضربات الإسرائيلية على إيران تخفف الضغوط على دولة الاحتلال لإنهاء المجاعة في غزة.
ففي الساعات القليلة التي أعقبت الهجوم، توقفت شحنات الغذاء عن التوزيع في قطاع غزة، وتأجلت القمة الفرنسية السعودية التي كان من المتوقع أن تمهد لاعتراف أوسع بدولة فلسطين، إلى أجل غير مسمّى.
وبحسب مراقبين، فإن هذا التوقف لم يكن مصادفة، بل نتيجة مباشرة لتحوّل الأنظار السياسي والإعلامي من غزة إلى إيران.
الحرب في غزة إلى الهامش
يبرز المراقبون أن مهاجمة دولة الاحتلال لإيران لا تعني انتهاء الحرب في غزة، وأن الفرق الوحيد هو جرائم القتل اليومية بحق الفلسطينيين ستحظى باهتمام أقل بكثير مما كان عليه.
ويرى المراقبون أن الرسالة الإسرائيلية من خلال هذه الهجمات مفادها أنه لا وجود لحل سياسي شامل في المنطقة، وأن القصف هو اللغة الوحيدة التي تفهمها دولة الاحتلال وتفرض من خلالها شروطها.
كما أن الضربات على إيران ليست فقط رسالة عسكرية، بل تهدف أيضًا إلى تعطيل المفاوضات الأمريكية-الإيرانية، وتخريب الموجة المتنامية من الدعم الدولي لاتخاذ إجراءات ملموسة لإنهاء مأساة غزة.
تخفيف الضغوط الدولية
التحول المفاجئ في بوصلة الأحداث كان مكسبًا سياسيًا كبيرًا لحكومة بنيامين نتنياهو، التي كانت تواجه ضغوطًا متصاعدة، ليس فقط من المنظمات الحقوقية، بل من حلفائها الأوروبيين أيضًا.
وبعض هذه الدول – مثل هولندا وألمانيا – بدأت في مراجعة موقفها من الدعم المطلق لدولة الاحتلال، خاصة في ظل تحذيرات الأمم المتحدة المتكررة من مجاعة وشيكة في غزة، واستمرار عمليات القتل الجماعي ضد حشود المدنيين الباحثين عن الغذاء.
الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، أعلن الشهر الماضي عن مراجعة شاملة لاتفاقية التجارة الحرة مع دولة الاحتلال على خلفية انتهاكات حقوق الإنسان، وكان من المتوقع أن تُعرض نتائج المراجعة في اجتماع مجلس الشؤون الخارجية الأوروبي قريبًا.
والاتحاد، الذي يمثل أكثر من 30% من تجارة دولة الاحتلال الخارجية، يملك أوراق ضغط حقيقية، لكن أجواء التصعيد مع إيران جمّدت هذه الديناميات.
إلى جانب ذلك، فرضت المملكة المتحدة وكندا وفرنسا والنرويج عقوبات على وزيرين في حكومة الاحتلال، متهمةً إياهما بالتحريض المتكرر على العنف ضد الفلسطينيين.
وكانت قمة فرنسية سعودية مرتقبة تلوح في الأفق، تحمل في طيّاتها اعترافًا أوروبيًا مرتقبًا بدولة فلسطين، ما أثار قلقًا أمريكيًا دفع بواشنطن لإصدار تحذير دبلوماسي رسمي من حضور القمة.
كل تلك التحركات الدولية الواعدة بدا أنها انهارت فجأة، أو على الأقل وُضعت جانبًا، عقب الهجمات على إيران.
حتى الحكومات الغربية التي بدأت تميل إلى انتقاد جرائم نتنياهو في غزة باتت أكثر ترددًا في اتخاذ أي خطوة ملموسة لإنهاء الحرب، طالما أن الصواريخ تنفجر في تل أبيب، وتحوم الطائرات في أجواء طهران.
صرّح أحد الدبلوماسيين الغربيين: “من المؤسف أن تأتي هذه الهجمات في وقت شهدنا فيه تطورات مثيرة للاهتمام بشأن فلسطين والحرب في غزة.”
وفي محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن “الهجمات على إيران لا ينبغي أن تُنسينا غزة بأي حال من الأحوال”، موضحًا أن القمة الفرنسية السعودية تأجلت لأسباب أمنية فقط، دون أن يحدد موعدًا بديلًا.
وعليه تبدو ضربات دولة الاحتلال على إيران بمثابة قنبلة دخانية مثالية، خنقت آخر بوادر الحراك الدولي لإنهاء الكارثة في غزة. وفيما ترتفع أصوات الانفجارات في طهران، تغيب صرخات الأطفال الجياع في غزة عن مسامع العالم. فالتصعيد الجديد لم يفتح جبهة حرب بقدر ما أغلق نافذة أمل كادت تفتح.