فشل مبكر لخطة السلطة الفلسطينية نزع سلاح المخيمات في لبنان

تشهد خطة السلطة الفلسطينية لنزع سلاح الفصائل المسلحة في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان فشلاً مبكرًا يعكس عمق الانقسامات والتباينات داخل الجسم الفلسطيني على الأراضي اللبنانية.
ويُبرز الفشل الحاصل الرفض الواسع الذي تلقته السلطة من قبل فصائل المقاومة، خصوصًا في ظل تمسكها بحقها في الاحتفاظ بسلاحها الذي تُعتبره درعًا وحصنًا لا غنى عنه في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
تأجيل التنفيذ وتأخر وصول الوفد الفلسطيني
توقع مصدر فلسطيني مطلع أن عملية نزع السلاح، التي كان من المقرر أن تبدأ منتصف يونيو/حزيران الجاري، ستتأخر على الأرجح إلى ما بعد هذا الموعد، وذلك بسبب غياب التوافق الوطني وضرورة عقد لقاءات موسعة بين مختلف الفصائل الفلسطينية في لبنان.
وزعم مسؤول في حركة فتح، أن تنفيذ الخطة مرتبط بعودة الوفد الفلسطيني برئاسة عزام الأحمد، نائب رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، إلى بيروت، والذي من المفترض أن يجمع ممثلي كافة الفصائل لإجراء مناقشات شاملة.
غير أن وصول عزام الأحمد، الذي يحمل أيضاً ملف التنسيق مع القادة اللبنانيين حول هذه القضية، لا يتوقع أن يتم قبل منتصف الشهر، وربما يتأخر أكثر من ذلك، ما يجعل بدء الخطة محل شك جدي.
غياب التوافق الوطني ورفض الفصائل
يُعد عدم وجود توافق وطني فلسطيني حقيقي حول خطة نزع السلاح أبرز أسباب الفشل المبكر لها. فقد عبرت فصائل المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها حركة حماس، عن رفضها القاطع لأي خطة لا تشرك جميع الفصائل بشكل متساوٍ في صياغتها وتنفيذها، معتبرةً أن الاتفاق بين السلطة الفلسطينية والقادة اللبنانيين جاء بشكل أحادي الجانب ومن دون استشارة الفصائل الأساسية.
وأوضحت حركة حماس في لبنان أن الخطة لا تعبر عن موقف الفصائل كافة، واعتبرتها محاولة من السلطة الفلسطينية لفرض إرادتها على الساحة الفلسطينية، خصوصًا في لبنان، في سياق محاولاتها التنسيق مع الاحتلال الإسرائيلي ودول التطبيع، وهو ما تصفه المقاومة بأنه تعميق للخضوع والضعف.
كما أكدت حماس أنها لم تُبلَّغ رسميًا بقرار نزع السلاح، وأنها تشترط فتح حوار شامل يشمل كافة الفصائل، لا سيما تحالف الفصائل الذي يضم حماس والجهاد الإسلامي وفصائل أخرى، في خطوة تعكس رفضها تسليم السلاح الذي يعتبره الفلسطينيون في لبنان رمزًا وضرورة في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي.
رفض داخلي من فصائل منظمة التحرير
لم يقتصر الرفض على الفصائل المقاومة فحسب، بل شمل أيضًا جهات فلسطينية أخرى تنتمي إلى منظمة التحرير، مثل جبهة النضال الشعبي، التي انتقدت بشدة طبيعة القرار، واصفة إياه بأنه جاء من جانب واحد ودون عرض الخطة على كل الفصائل الفلسطينية في لبنان.
وقال تامر عزيز أبو العبد، ممثل جبهة النضال في لبنان، إن الخطة لم تحظ بثقة الأغلبية، مؤكداً ضرورة مناقشة كل التفاصيل مع الوفد الرئاسي القادم إلى لبنان، ما يعني أن إقرار الخطة وتحقيق نجاح في تنفيذها يحتاج إلى وقت طويل وجهود حوارية مكثفة، وهو ما لا يبدو متاحاً في الأفق القريب.
السياق السياسي والاجتماعي للمخيمات
يرتبط الرفض لفكرة نزع السلاح في المخيمات بالاعتبارات السياسية والاجتماعية العميقة.
فمخيمات اللاجئين الفلسطينيين الاثني عشر في لبنان، التي تضم نحو 222 ألف لاجئ فلسطيني وفق إحصائيات الأونروا، تعيش في ظل غياب سيطرة الدولة اللبنانية عليها، وهو ما سمح بتشكل بنى أمنية وعسكرية خاصة بالفصائل الفلسطينية.
هذه الفصائل تعتبر السلاح وسيلة للدفاع عن اللاجئين في المخيمات من التهديدات الأمنية المحتملة، كما أنه أداة مقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي.
وتجدر الإشارة إلى أن لبنان شهد على مدار عقود تحولات أمنية وسياسية عديدة، وكانت الميليشيات الفلسطينية من بين اللاعبين الأساسيين خلال الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، ولهذا فإن القضية تحمل ذاكرة تاريخية حساسة.
السلاح كرمز نضالي
بالنسبة للفلسطينيين في لبنان، لا يمثل السلاح فقط أداة عسكرية للدفاع عن النفس، بل هو أيضاً رمز مستمر للنضال والحقوق الوطنية.
اللاجئون الفلسطينيون الذين طردوا من أراضيهم عام 1948 خلال النكبة، يعيشون في ظل قيود قانونية واجتماعية معقدة في لبنان، تشمل حظر العمل في بعض القطاعات وقيود على حقوقهم المدنية، ما يجعل السلاح بالنسبة لهم تمثيلاً لحماية مكتسبة ووسيلة للحفاظ على كرامتهم.
وتأتي خطة نزع السلاح في سياق مبادرة أوسع أطلقها القادة اللبنانيون للحد من نفوذ القوى غير الحكومية المسلحة داخل لبنان، خصوصاً في ظل الأزمات الأمنية والسياسية المتلاحقة.
ويرى مراقبون أن الفشل المبكر لخطة نزع السلاح يعكس عمق الأزمة التي تمر بها السلطة الفلسطينية ويبرز هشاشة قدرتها على فرض إرادتها على الفصائل التي تحتفظ بنفوذ شعبي وسياسي كبير داخل المخيمات.
كذلك، يعكس الفشل طبيعة الانقسامات السياسية الفلسطينية المتفاقمة بين السلطة في رام الله، التي تميل نحو التنسيق مع الاحتلال ودول التطبيع، والفصائل المقاومة التي ترى في السلاح خطًا أحمر لا يمكن التنازل عنه.
وما يزيد من صعوبة الأمر أن قرار نزع السلاح قد يشعل توترات جديدة داخل المخيمات، خاصة مع وجود قوى متعددة متنافسة وغير موحدة، قد تلجأ إلى التصعيد إذا شعرت بأن قرار السلطة الفلسطينية مدعوم من القوى اللبنانية أو الإقليمية ضد مصالحها.
وفي ظل هذه المعطيات، يبدو أن خطة نزع سلاح المخيمات الفلسطينية في لبنان فشلت قبل أن تبدأ فعليًا، بفعل رفض داخلي فلسطيني واسع، وانعدام توافق وطني يضمن دعم الفصائل المقاومة وغير المقاومة.
وإن أي محاولة لإعادة تشكيل المشهد الأمني الفلسطيني في لبنان لا بد أن تراعي حساسية المخيمات، وتحظى بدعم الفصائل جميعها، خاصة وأن السلاح مرتبط بمفهوم المقاومة والدفاع عن الحقوق الوطنية، وهو أمر يصعب تجاوزه في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي وغياب حل سياسي عادل وشامل لقضية اللاجئين الفلسطينيين.
وتجاوز هذا الفشل يتطلب إعادة فتح حوار فلسطيني شامل يضم كافة الفصائل، والبحث عن حلول تراعي المصالح الوطنية الجامعة، بعيدًا عن الإملاءات الخارجية التي تُفقد الخطة شرعيتها بين الفلسطينيين أنفسهم، وتزيد من تعقيد الأزمة في لبنان والمنطقة ككل.