إنعاش غزة المبكر.. خطة مصرية مع السلطة لسرقة أموال إعادة إعمارها

برز في الأيام الأخيرة إطلاق خطة مصرية فلسطينية للتحضير لعقد مؤتمر دولي لبدء خطة “الإنعاش المبكر” وإعادة إعمار قطاع غزة عقب ما شهده ما من دمار واسع وشديد جرا حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة منذ نحو 22 شهرا.
إلا أن هذه الخطط تثير جدلاً واسعًا بسبب تاريخ طويل من الفساد داخل السلطة الفلسطينية، وتداخل المصالح التي تربط مصر والسلطة مع الاحتلال الإسرائيلي، مما يطرح تساؤلات جادة حول جدوى وأهداف هذه الخطط.
مؤتمر مصر لإعادة إعمار غزة.. بين التطلع والدوافع الحقيقية
تسعى القاهرة لاستضافة مؤتمر دولي يهدف إلى جمع الدعم المالي والسياسي لإعادة إعمار غزة، على أن يتم ذلك فور التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع الاحتلال الإسرائيلي.
وتعمل مصر عبر قنواتها السياسية مع السلطة الفلسطينية بالإضافة إلى الأمم المتحدة، لتنسيق خطة “التعافي المبكر” التي تشمل توفير المساعدات العاجلة وترميم البنية التحتية المتضررة.
هذا التحرك المصري لا يمكن فصله عن دور القاهرة المحوري في ملف الحصار المشدد على القطاع، حيث تبقى مصر طرفًا محوريًا في التحكم بمنافذ القطاع البرية، وخاصة معبر رفح، والذي يعد الباب الوحيد لآلاف الفلسطينيين للتنقل والخروج من الحصار.
على هذا الأساس، فإن المؤتمر ومبادرات إعادة الإعمار تندرج ضمن إطار سياسي أوسع يتجاوز الجوانب الإنسانية ليشمل مصالح أمنية واستراتيجية لمصر.
السلطة الفلسطينية.. أزمة فساد متجددة
تضافرت الجهود المصرية مع السلطة الفلسطينية في قيادة ملف إعادة الإعمار، وهو ما يثير قلقاً بالغاً لدى قطاع واسع من الفلسطينيين والمراقبين الدوليين.
فالسلطة، التي تعاني من أزمات شرعية متكررة، مثقلة بملفات فساد مالي وإداري، ليست موثوقة في إدارة أموال ضخمة مخصصة لإعادة الإعمار.
تاريخ السلطة حافل بالفضائح المتعلقة بسرقة أموال الدعم الدولي والتلاعب بالمشاريع التنموية، الأمر الذي يحول دون ثقة حقيقية بها في إدارة ملف معقد كالذي يخص غزة بعد الحرب.
فالأموال المخصصة عادةً ما تُستخدم في تمويل أجهزة الأمن والتشبيح الداخلي، أو تُحوَّل لصالح مصالح فردية ومجتمعية ضيقة، على حساب السكان المدنيين الذين هم في أمس الحاجة إلى دعم فعلي وجدي.
يبرز في هذا السياق رفض واسع لدى سكان غزة لأي دور للسلطة في إعادة الإعمار، خصوصًا مع استغلالها الملف لتعزيز نفوذها السياسي، ما يعزز حالة الاستياء والريبة من نوايا السلطة الحقيقية، خصوصًا أنها لم تتمكن طوال السنوات الماضية من تحسين الوضع الإنساني أو تلبية الحد الأدنى من المطالب الشعبية في القطاع.
مصر والسلطة.. أدوات حصار وتآمر على غزة
بعيدًا عن أدوارهم المعلنة، تلعب مصر والسلطة الفلسطينية دورًا محوريًا في تشديد الحصار على غزة، وهو ما يضر بشكل مباشر بحقوق سكان القطاع ويفاقم أزماتهم الإنسانية.
فالحصار الذي تفرضه دولة الاحتلال الإسرائيلي بدعم وإشراف مصري وبتواطؤ السلطة، يحول دون دخول المواد الأساسية لإعادة الإعمار ويعيق حركة الأشخاص والسلع، مما يخلق حالة شبه اختناق متواصلة.
وضع مصر والسلطة في موقع المتحكمين بإعادة الإعمار هو بمثابة تكريس للحصار السياسي والاقتصادي المفروض على غزة، وتحويل الأموال الدولية إلى أداة لتثبيت هذا الحصار عبر مشاريع ذات أثر رمزي أكثر من كونها فعالة على الأرض.
كما أن الدور المشترك في إدارة الملف يجعل من عملية إعادة الإعمار مكبلة بشروط وأجندات تخدم الاحتلال في تكريس معاناة السكان، وليس في تخفيفها.
التبعات المحتملة على ملف إعادة الإعمار
إن إخضاع إعادة الإعمار لسيطرة السلطة ومصر يحمل في طياته مخاطر جسيمة على مسار التعافي الحقيقي في غزة.
فمن جهة، يؤدي ذلك إلى إبطاء وتيرة إعادة بناء المنازل والمرافق الحيوية بسبب الإجراءات الإدارية والبيروقراطية، ومن جهة أخرى، يعزز من فرص نهب الأموال وفساد المشاريع تحت ذرائع قانونية وتقنية.
إضافة إلى ذلك، فإن هذا الوضع قد يؤدي إلى تعميق الانقسام الفلسطيني بين غزة والضفة، حيث تهيمن السلطة على ملف إعادة الإعمار من خارج القطاع، فيما تظل حركة المقاومة الفلسطينية وأطراف أخرى في القطاع تعاني من الإقصاء والتهميش، رغم كونهم الأكثر ارتباطًا بواقع المواطنين في غزة.
هل ثمة بدائل ممكنة؟
في ظل هذا الواقع، يطالب كثير من الفلسطينيين والمراقبين بأن تُترك إدارة ملف إعادة الإعمار إلى جهات محايدة ومستقلة، سواء كانت دولية أو فلسطينية تمثل التوافق الوطني الحقيقي في غزة، بعيدًا عن أيدي السلطة الفاسدة أو المصالح المصرية التي تتحكم في مفاصل الحصار.
كما يشددون على ضرورة ربط إعادة الإعمار بفتح معابر القطاع بشكل كامل، ورفع الحصار السياسي والاقتصادي بشكل مستدام، لتتمكن مشاريع الإعمار من أن تؤتي ثمارها الحقيقية، وليس أن تتحول إلى أدوات للسيطرة والتخريب الممنهج.
ذلك أن خطة مصر والسلطة الفلسطينية لعقد مؤتمر دولي وإدارة ملف “الإنعاش المبكر” في غزة ليست سوى حلقة جديدة في مسلسل طويل من التآمر على حقوق سكان القطاع، عبر استغلال الأوضاع الإنسانية لتثبيت سيطرة مصالح سياسية وأمنية على حساب المواطن الفلسطيني.
فتاريخ السلطة في الفساد، ودور مصر في تشديد الحصار، يجعل من هذا المسار بعيدًا عن مصلحة غزة وشعبها، ويطرح تحديًا حقيقيًا أمام المجتمع الدولي بضرورة مراجعة سياساتهم تجاه إعادة الإعمار ودعم الشعب الفلسطيني، بما يضمن الشفافية، الاستقلالية، واحترام إرادة ومصالح أهل القطاع.