معالجات اخبارية

التليغراف: صفقة ألكسندر السرية لترامب تكشف عن شرخ مع نتنياهو

في وقت كانت فيه دولة الاحتلال الإسرائيلي تهدد بتصعيد عسكري واسع في غزة، كشفت صحيفة التليغراف البريطانية عن أزمة صامتة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على خلفية مفاوضات سرية أجراها مبعوثو البيت الأبيض مع حركة حماس لإطلاق سراح أسير أمريكي-إسرائيلي، دون علم القيادة الإسرائيلية.

وبحسب الصحيفة أجرت شخصيات مقربة من ترامب محادثات مباشرة مع حماس لإطلاق سراح الجندي الأمريكي-الإسرائيلي عيدان ألكسندر (21 عامًا)، الذي كان محتجزًا في غزة منذ أكتوبر 2023. ولولا تدخل جهاز المخابرات الإسرائيلي “الشاباك”، لما كانت الحكومة الإسرائيلية على علم بهذه المحادثات التي تمّت خلف الكواليس.

وذكرت الصحيفة أنه في نهاية المطاف، أُبلغ نتنياهو من قِبل الإدارة الأمريكية بإتمام الصفقة قبل ساعات فقط من إعلانها رسميًا الأحد الماضي، ما شكّل إحراجًا دبلوماسيًا وأثار تساؤلات حول مستوى التنسيق بين واشنطن وتل أبيب.

ورغم الترحيب الشعبي في دولة الاحتلال بعودة ألكسندر، كونه أول أسير يتم تحريره حيًا من غزة منذ فبراير، إلا أن الطريقة التي أُبرمت بها الصفقة ألقت بظلال من الشك على متانة العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية، خاصة مع قرب زيارة ترامب للمنطقة.

أزمة ثقة في قلب التحالف

تقول التليغراف إن اعتماد حكومة نتنياهو على أجهزة الاستخبارات لاكتشاف تحركات حليفتها الكبرى في ساحة قتال مجاورة يُعد مؤشراً مقلقاً على تدهور التنسيق السياسي.

فبينما تستعد دولة الاحتلال لحملة عسكرية برية، كان ترامب يدير مساراً موازياً مع حماس، دون تنسيق مسبق مع نتنياهو.

وتزامن الإعلان عن الصفقة مع وصول ترامب إلى الرياض في زيارة تستمر ثلاثة أيام، يلتقي خلالها قادة عرباً لمناقشة صفقات اقتصادية وصفقات أسلحة، بينها دعم برنامج نووي مدني سعودي.

وتشير مصادر التليغراف إلى أن ترامب لا يعتزم ربط هذا الدعم بتطبيع العلاقات بين السعودية ودولة الاحتلال، نظراً لتعقيدات الوضع الإنساني في غزة والضفة الغربية.

ترامب يتجاوز تل أبيب نحو الخليج

بحسب البروفيسور غريغوري غاوس الثالث من معهد الشرق الأوسط بواشنطن، فإن ترامب يبحث عن “انتصارات سريعة”، وهو ما لا توفره له غزة حالياً.

وأضاف: “هذا لا يعني أن ترامب تراجع عن مشروع التطبيع، لكنه ببساطة ليس أولوية الآن”.

نتنياهو، المعروف بمرونته البراغماتية، قد يدرك دوافع ترامب، لكنه يواجه ضغطاً داخلياً متزايداً بعد إعلان الأخير وقف الضربات الأمريكية ضد الحوثيين، في صفقة لم تشمل وقف الهجمات الحوثية ضد دولة الاحتلال.

وجاءت الصفقة بعد أيام من قصف الحوثيين لمطار بن غوريون، ما أدى إلى تعليق معظم الرحلات الدولية من وإلى تل أبيب.

صفعات متتالية من واشنطن

لم تهدئ التصريحات الأمريكية المتتالية من الغضب الإسرائيلي. ففي الوقت الذي أعلن فيه ترامب عن صفقة الحوثيين، كان السفير الأمريكي الجديد في تل أبيب، مايك هاكابي، يُستقبل بحفاوة في القدس المحتلة. لكنه اضطر لاحقاً إلى الظهور على التلفزيون الإسرائيلي مدافعاً عن قرار ترامب، قائلاً: “الرئيس لا يزال يحبكم”.

لكن المخاوف في دولة الاحتلال لا تقتصر على قضية غزة والحوثيين. فهناك قلق متزايد من احتمال توجه ترامب نحو صفقة نووية “ناعمة” مع إيران، لا تمنعها من تطوير سلاح نووي عملياً، لكنها تعقد أي تحرك عسكري إسرائيلي مستقبلي ضد طهران.

وفي فبراير الماضي، أطلق ترامب رؤيته لإعادة إعمار غزة كـ”ريفييرا شرق أوسطية” على طراز دبي، ضمن خطة تقوم على تهجير سكان القطاع.

لكن في الأسابيع الأخيرة، تغيّر خطاب ترامب تدريجياً، وأصبح يتحدث عن “المعاناة الإنسانية” في غزة، في ما اعتبره مراقبون تراجعاً عن منطق “التطبيع مقابل التهجير”.

ستيف ويتكوف، مبعوث ترامب الخاص، أبلغ عائلات الأسرى الإسرائيليين أن استمرار الحرب في غزة “لم يعد مجدياً”، وهو موقف يتعارض مع التهديدات السابقة الصادرة عن البيت الأبيض ضد حماس.

الانقسام الإعلامي وتآكل صورة “الحليف الموثوق”

رغم محاولات نتنياهو نفي وجود أي خلاف مع ترامب، واصفاً التقارير الإعلامية بـ”الهراء”، بدأت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية – بما فيها المنصات غير اليسارية – بمقارنة ترامب مع الرئيس جو بايدن، معتبرة الأخير أكثر اتساقاً كحليف رغم انتقاداته العلنية.

وقد حذر البروفيسور غاوس من المبالغة في تفسير هذه الخلافات، مشيراً إلى أن الالتزام الجمهوري تجاه دولة الاحتلال، المدفوع بقاعدة الإنجيليين المسيحيين، لا يزال راسخاً. لكنه أقر بأن ترامب يتحرك وفقاً لمصالحه الشخصية، ولا يسمح للتحالفات التقليدية بأن تقيده.

واختتمت التليغراف تقريرها بالإشارة إلى أن ترامب سيلتقي الثلاثاء مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس في اجتماع برعاية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

وبينما لا يتوقع مراقبون نتائج ملموسة من هذا اللقاء، إلا أن رمزيته تعكس رسالة سعودية واضحة: “القضية الفلسطينية لا تزال أولوية ولا يمكن تجاوزها”.

وبينما تزداد الملفات الإقليمية تعقيداً، يبقى واقع الشرخ في العلاقة بين ترامب ونتنياهو حقيقة لا تخفى على العيان، حتى لو أُحيطت بالإنكار الرسمي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى