تحليلات واراء

نظام الأردن حاجز صدٍ عن إسرائيل في ذروة إبادة الفلسطينيين

في ذروة ما تشهده غزة من قصف وإبادة جماعية وأزمة إنسانية حادة، يظهر سلوك نظام الأردن الرسمي كحاجز مزدوج: حاجز صدٍ عن أي تدخّل مباشر في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وحاجز حماية للاتفاقات الأمنية والسياسية مع القوى الإقليمية والدولية — حتى لو تطلّب ذلك كبح ِ الغضب الشعبي أو قمع تعبير مدنّ يبدو بسيطا أو رمزيًا.

وأظهرت الأحداث الأخيرة على الحدود الشمالية للأغوار، واحتجاز طالبة جامعية لأجل أنشودة، تجسيدا لهذا التوتر بين منطق الأمن الرسمي وحقّ التعبير الشعبي والتضامن مع الفلسطينيين في ذروة ما يتعرضن له من إبادة إسرائيلية.

وقد أعادت حادثة مقتل شابين في منطقة “القرن” شمالي الأردن فتح نقاش قديم حول قواعد الاشتباك وأدوات الأمن عند الحدود.

إذ أصدرت القوات المسلحة الأردنية بيانًا ادعت فيه أن دورية تفتيشية واجهت مركبة رفضت التوقف وحاولت “اختراق الحاجز”، فأُطبق ما وصفتها “قواعد الاشتباك” بعد استنفاد الخيارات، ونُقِل الضحيتان إلى مستشفى أبو عبيدة حيث فارقا الحياة، فيما فتحت الأجهزة تحقيقًا.

لكن تداول مقاطع فيديو محلية وتضارب الروايات أثارا شكوكًا لدى سكان المنطقة وعشيرة المداهنة حول ملابسات الحادث، لا سيما في ظل غياب صور واضحة للاستجابة أو إشراف مدني شفاف على الحادثة.

ولا يمكن فصل سياق هذه الواقعة عن القلق الرسمي الأردني المستمر من تبعات الحرب: عمّان تعيش مبدأ ضاغطًا وتخشى أن يتحول التوتّر الحدودي إلى فتيل يصيب استقرارها الداخلي ويزعزع اتفاقيات أمنية إقليمية.

مواقف الأردن من حرب إبادة غزة

يضع هذا السلوك النظام الأردني في موقع “حارس الحدود” الذي يضطر، عمليًا، إلى قمع أي تهديد يروقه على أنه اختراق أمني — حتى لو بدا مدنيًا أو يتصل بحقوق الحركة وسبل الرزق لسكان المناطق الحدودية.

لكن ثمن هذا المنطق الأمني كبير، يتضمن توتير العلاقة بين مواطنين يظهرون تضامنًا مع الفلسطينيين والدولة التي تُقدّم علنًا ضمانات للأمن الإقليمي.

ويعد اعتقال الطالبة الجامعية أمجاد فرج، ووضع كفالة مالية عالية، بعدما نشرت أنشودة شعبية تعبر عن صبر ومعاناة الشعب الفلسطيني، مثالا واضحا على خطابٍ رسمي يُحوّل الشعر والغناء إلى “قضايا أمنية”.

ويوجه هذا النمط من الاستجابة رسائل رادعة للشباب والمدافعين عن الحريات ويُضعف من قدرة المجال المدني على التحدث بحرية عن العدوان الواقع في غزة.

كما أن سجالات حقوق الإنسان سجلت إنذارات متكررة حول تقليص مساحة الاحتجاج والتعبير في الأردن خلال أشهر حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة.

إذ أن منظمات حقوقية وثقافية وثّقت حملات اعتقال وتضييق على نشاطات التضامن مع غزة، وهو ما يزيد من الشرخ بين الشارع والسلطة ويهدد الاستقرار الاجتماعي على المدى المتوسط.

 

ويرى مراقبون أن هذا “الحاجز” بين الأردنيين ودولة الاحتلال عبر فرض إجراءات أمنية صارمة على الحدود، يتحوّل أيضًا إلى حاجز على مستوى الحرية المدنية داخل البلد، حين يُقاسَم الحفاظ على التزامات الدولة من جهة مع تضييق مساحة التعبير من جهة أخرى.

ويشدد المراقبون على أن حماية الأردن لمصالحه لها حدود لا يجب أن تُدفع على حساب كرامة مواطنيه أو موقفه الأخلاقي تجاه أهل غزة، بل ينبغي أن تُدار بمزيج يحفظ الأمن ويصون الحريات معًا والأهم أن يحافظ على الموقف القومي لعمان تجاه القضية الفلسطينية وواجبات ذلك في التصدي لعدوان الاحتلال وغطرسته وخططه العدوانية التي تشمل الأردن نفسه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى