تحليلات واراء

الإمارات تفتح أبوابها للعميل ياسر أبو شباب وسط مخاوفها على مصيره

فجر إعلامي إماراتي حالة من الجدل بعد أن أعلن أن بلاده تفتح أبوابها للعميل ياسر أبو شباب وسط مخاوفها على مصيره في ظل ملاحقة فصائل المقاومة له عقب انتهاء حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على قطاع غزة.

وكتب الإعلامي الإماراتي محمود البلوشي على حسابه في منصة إكس “إلى بطل المهمات الصعبة ياسر أبو شباب، غزة ضاقت وأبوظبي عاصمة العروبة بانتظارك وترحب بك من الآن”.

وقد أثار هذا الموقع موجة من الأسئلة تتجاوز الشخص نفسه إلى هندسة إقليمية أوسع: ما الذي تريده الإمارات من فتح الأبواب لقيادي ميليشياوي متهم بالعمل تحت المظلة الإسرائيلية داخل غزة؟ وهل نحن أمام اصطفاف جديد يكرّس مقاربة “العدوّ البديل” لإزاحة المقاومة وإعادة تشكيل المشهد في القطاع؟.

عصابة ياسر أبو شباب ويكيبيديا

منذ شهور برزت تشكيلات مسلّحة محلية في غزة تعمل بالتنسيق مع جيش الاحتلال الإسرائيلي وتحت إشراف أمني، على رأسها مجموعات مرتبطة بياسر أبو شباب في رفح.

وقد أقرّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو علناً بتفعيل “عصابات مسلحة معارضة لفصائل المقاومة، مع إصراره على عدم الخوض في تفاصيل الدعم المقدم لها.

وقد عملت هذه المجموعات في مناطق خاضعة للسيطرة الإسرائيلية وتتحرك بأسلحة وعتاد محدثَين، وتُستَخدم لمهام أمنية واستخبارية ومرافقة قوافل المساعدات، فضلا عن جرائم النهب والانتهاكات.

وما يجعل الإشارة الإماراتية إلى الترحيب بأبو شباب لافتة، أنها تأتي متزامنة مع ذروة الحديث عن “وكالة أمنية محلية” في غزة برعاية إسرائيلية.

فأبوظبي واصلت، خلال الأعوام الأخيرة، سياسة براغماتية تقوم على بناء نفوذ عبر وكلاء محليين وإسناد شبكات أمنية واقتصادية في بؤر نزاع مجاورة.

ويوفر فتح الباب لشخصية ملتبسة مثل أبو شباب—نظريًا—أوراق ضغط في معادلة ما بعد الحرب: قناة نفوذ داخل غزة، رسالة إلى تل أبيب وواشنطن بأن الإمارات تريد المساهمة في “تدبير الأمن” محليًا، وإشارة إلى منافسين إقليميين بأنها لاعب لا يمكن تجاوزه في هندسة اليوم التالي.

لكن هذا المسار مليء بالألغام. أبو شباب متهم محلياً بأنه واجهة لأجندة إسرائيلية وأن مجموعته ضالعة في أعمال نهب وقمع. تقارير عدة ربطته بشبكات جنائية سابقة وبأفراد لهم تاريخ مع تنظيمات متطرفة، حتى وإن ظلت بعض هذه الصلات في خانة المزاعم التي تحتاج تمحيصًا.

ويؤكد مراقبون أن القبول برعاية شخصية بهذه السيرة يهدد بأن يُحمِّل الإمارات كلفة سمعة ثقيلة، خصوصاً إذا تعارضت رواية “الاستقرار” مع مشاهد ميدانية تُظهِر انتهاكات بحق مدنيين في مناطق نزوح مكتظة.

دوافع أبوظبي المحتملة

يمكن قراءة الإشارة الإماراتية من ثلاث زوايا متداخلة:

مقاربة أمنية سياسية: توظيف رجال محليين “ضد المقاومة” ضمن تصور يخفف كلفة الانخراط الإسرائيلي المباشر ويخلق بنى ضبط محلية يمكن التفاوض معها لاحقًا.

وهذه المقاربة تجد صداها في نقاشات إسرائيلية داخلية حول “أمن بالوكالة”، لكنها محفوفة بخطر ارتدادها وتحوّل الوكلاء إلى مصادر فوضى أو ابتزاز سياسي.

منافسة إقليمية على اليوم التالي: كل من القاهرة، أنقرة، الدوحة، والرياض تبحث عن موضع قدم في غزة ما بعد الحرب. إشارة أبوظبي قد تكون محاولة مبكرة لتثبيت حضورها عبر بوابة “الأمن المحلي”، بما يمنحها كروت تفاوض في ملفات الممرات، إعادة الإعمار، وترتيبات المعابر.

رسائل إلى واشنطن وتل أبيب: الإمارات قد تعرض نفسها شريكًا يقدّم “حلولاً عملية” على الأرض بدل الاكتفاء بالدعم المالي. هذا يتسق مع نمطٍ أوسع في الخليج يقوم على ربط النفوذ الإقليمي بقدرات إدارة ملفات أمنية حساسة.

مخاطر على مصير أبو شباب نفسه

المفارقة أن فتح الأبواب قد لا يعني بالضرورة حماية دائمة. نماذج الوكلاء المحليين في حروب بالوكالة تُظهر أن مصائرهم تُحدَّد بموازين اللحظة: صالحون ما داموا ينجزون وظيفة محددة، وقابلون للاستبدال عند أول كلفة سياسية.

في حالة أبو شباب، تتقاطع التهديدات من أكثر من جهة: المقاومة التي ترى فيه رمزاً للتعاون مع الاحتلال، خصومات مناطقية وعشائرية داخل غزة، وإمكان استخدامه كورقة تفاوضية ثم التخلي عنها متى استُنفدت.

وليس مستبعداً—إن صحت نوايا الاستقدام—أن يصبح “ضيفاً مُفخخاً”: مطلوباً في ملفات قضائية، أو موضوع صفقة ترحيل لاحقة، أو ورقة مقايضة سياسية مع أطراف إقليمية. وهو ما يفسر حدّة المخاوف على مصيره سواء بقي في رفح أم غادرها.

وإذا صحّ مسار “فتح الأبواب”، فثمة ثلاثة مسارات محتملة:

  • احتواء وظيفي قصير الأمد: يجري نقل أبو شباب إلى الإمارات أو بلد ثالث كوسيط، يُستخدم لتأمين تفاهمات محلية ثم يُهمَّش تدريجياً.
  • تدوير للأدوار داخل غزة: يبقى على الأرض مع غطاء إقليمي غير مُعلَن، فيتحول إلى رأس شبكة أمنية محلية، وهو سيناريو يهدد بتكريس اقتصادات ظلّ واحتكاكات دموية.
  • القصاص والعدالة: تحت ضغط الغضب الشعبي أو تبدل الحسابات الإسرائيلية، ينتهي الرجل إلى مصير مفتوح، من التصفية الجسدية إلى المحاكمة على أيدي خصومه.

ويبقى أن إشارة الترحيب بأبو شباب ليست تفصيلاً بروتوكولياً، بل مؤشر إلى تجريب وصفة “الوكلاء المحليين” بأدوات إقليمية والمكسب التكتيكي الوارد يقابله ثمن استراتيجي مرتفع: شرعنة ميليشيات هشّة، توسيع دائرة العنف الأهلي، وإغراق ملف غزة في شبكة رعاة وسماسرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى