تحليلات واراء

إذلال تاريخي لعباس خلال مشاركته في قمة شرم الشيخ

تعرض رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى ما وصفه مراقبون بأنه إذلال تاريخي بعد إقصائه من الاحتفال الخاص بتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار وإنهاء حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة، على الرغم من مشاركته في قمة شرم الشيخ بشأن غزة.

ولم يظهر عباس مطلقا بالمراسم الخاصة بتوقيع الاتفاق التي اقتصرت على دونالد ترامب والرئيسين التركي والمصري وأمير قطر، وتم تهميشه حتى من الجلوس إلى جانب زعماء الدول الحاضرين للحفل.

وشكل مشهد عباس في قمة شرم الشيخ انعكاساً دقيقاً للمكانة المتراجعة للسلطة الفلسطينية في المعادلة الإقليمية والدولية الجديدة التي تتشكل بعد حرب غزة.

فبعد عامين من الإبادة الجماعية التي ارتكبتها دولة الاحتلال في القطاع، وبعد مفاوضات ماراثونية شاركت فيها واشنطن والدوحة وأنقرة والقاهرة، وجد عباس نفسه غائباً عن مقعد القرار، بلا تأثير فعلي ولا حتى حضور بروتوكولي لائق، في لحظةٍ كان يُفترض أن تكون تتويجاً “تاريخياً” للنضال الفلسطيني.

وأكدت مصادر دبلوماسية أن مشاركة عباس لم تكن مقررة أصلاً، وأن مصر وافقت على حضوره في اللحظات الأخيرة مساء الأحد بعد ضغوط من بعض الأطراف الفلسطينية لضمان تمثيل شكلي للسلطة.

لكن حتى بعد حضوره، لم يُسمح لعباس بالمشاركة في النقاشات المغلقة التي سبقت التوقيع، ولم يُدرج اسمه ضمن قائمة المتحدثين الرسميين، ما جعل وجوده أشبه بـ”ضيف مراقب في قضية يفترض أنه صاحبها”.

السلطة الفلسطينية ويكيبيديا

اللافت أن قائمة القادة المشاركين في التوقيع النهائي اقتصرت على الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والرئيسين عبد الفتاح السيسي ورجب طيب أردوغان، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في حين بقي عباس في قاعة جانبية يتابع الحدث عبر الشاشات.

ورأى محللون أن هذا التغييب العلني المقصود ليس مجرد صدفة بروتوكولية، بل هو رسالة سياسية واضحة من الأطراف الإقليمية والدولية مفادها أن السلطة لم تعد تمثل الفاعل الأساسي في الملف الفلسطيني، وأن زمن احتكارها للتمثيل انتهى.

ويقول مراقبون إن ما جرى في شرم الشيخ يُعد تتويجاً لمسار بدأ منذ سنوات، حين جرى نزع الثقة من السلطة تدريجياً وتحويلها إلى كيان إداري محدود الصلاحيات تحت إشراف إقليمي ودولي، كما أن عباس دفع ثمن رهانه الكامل على واشنطن وتنسيقه الأمني مع الاحتلال، ما جعله في نظر الفلسطينيين والعالم طرفاً فاقداً للشرعية الوطنية.

وغياب عباس عن منصة التوقيع لم يكن مفاجئاً لمن يتابع مواقف إدارة ترامب وحلفائها الإقليميين. فمنذ إطلاق خطة ترامب للسلام التي تضمنت تشكيل هيئة انتقالية تكنوقراطية لإدارة غزة بإشراف دولي، تم استبعاد السلطة من المشهد كلياً.

بل إن مسؤولاً أميركياً قال صراحة إن “خطة ترامب تتعامل مع السلطة كجهاز إداري، وليس ككيان سياسي”، وهي إشارة إلى إعادة تعريف السلطة نفسها ضمن النظام الإقليمي الجديد.

على المستوى الشعبي، قوبلت صور عباس في القمة بانتقادات حادة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اتهمه كثيرون بأنه “يحضر جنازة المشروع الوطني الفلسطيني” بوجهٍ بارد، بينما كان يفترض أن يحتجّ على استبعاده أو أن يرفض الحضور من الأساس.

وكتب أحد النشطاء: “حتى في لحظة وقف الحرب، أرادوا تذكير عباس بأنه لا يملك القرار، وأن غزة تحررت من الاحتلال ومن وصايته معاً.”

عُزلة داخلية وخارجية

سياسيًا، يجد عباس نفسه اليوم محاصراً من جميع الاتجاهات. في وقت فقدت السلطة الغطاء العربي التقليدي الذي كانت تعتمد عليه، ولم يعد أحد يراها قادرة على التأثير في المشهد الفلسطيني، خاصة بعد أن تبنّى عباس علنًا اشتراطات واشنطن، مثل وقف رواتب الأسرى، ما عمّق فجوة الثقة بينه وبين الشارع.

ووصف المراقبون الذين تابعوا مجريات القمة ما حدث بأنه مهانة سياسية نادرة في تاريخ الزعماء العرب. فحتى القادة الذين اختلفوا مع الولايات المتحدة لم يُقصوا بهذه الصورة من مشهد يُفترض أنه يخصهم مباشرة.

ورأى محللون في هذا المشهد تسريع إقليمي ودولي للحظة نهاية مرحلة عباس، إذ لم يعد الرجل حتى رمزًا في المشهد الفلسطيني، بل عبئًا ديبلوماسيًا تسعى العواصم إلى تجنبه.

يضاف إلى ذلك أن تهميش عباس في قمة شرم الشيخ ليس إذلالاً شخصياً فحسب، بل يمثل السقوط الرمزي والنهائي لمشروع أوسلو الذي ارتكز على فكرة أن “السلام يمر عبر السلطة الفلسطينية”.

أما اليوم، فقد صار واضحاً أن الإدارة الأميركية وحلفاءها في المنطقة يبحثون عن صيغة بديلة لإدارة غزة والضفة بمعزل عن رام الله، سواء من خلال “المجلس الفلسطيني الجديد” أو عبر إشراف دولي مباشر يشارك فيه الغرب.

وبذلك، فإن ما جرى في شرم الشيخ لم يكن مجرد تجاهل بروتوكولي لعباس، بل إعلانًا صريحًا بانتهاء زمنه السياسي، وسقوط الرهان على مسار تفاوضي تقوده سلطة فقدت الشرعية والقدرة معاً.

فقد حضر عباس جسدًا وغاب دورًا، ليبقى مشهد شرم الشيخ علامة فاصلة في تاريخ القضية الفلسطينية: لحظة إذلالٍ سياسي تختصر فشل مشروع التسوية وولادة واقع جديد، تُكتب فصوله بعيدًا عن رام الله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى