وكالة “ستيب نيوز” تُؤجّج خطاب الاحتراب الداخلي في غزة
تضخيم "العصابات" وتجاهل براءة العشائر

أثارت وكالة “ستيب نيوز” موجة انتقاداتٍ عارمة بعد نشرها تقريرًا يُضخّم حجم ودور مجموعاتٍ مسلّحة مدعومةٍ من الاحتلال الإسرائيلي داخل غزة، ويُقدّمها على أنّها “عشائر” في خصومةٍ مفتوحة مع حركة حماس وفصائل المقاومة.
وقال مراقبون إن الخطاب الذي تبنّته الوكالة الممولة إماراتيًا لا يقتصر على “تشويه الوقائع”، بل يتجاوز إلى “التحريض على فتنة داخلية” وتهييج سردية “حرب أهلية” بين الفلسطينيين أنفسهم.
وينطلق تقرير الوكالة من فرضيةٍ تُسوّي بين مجموعاتٍ مسلّحة متهمة بالتعاون مع الاحتلال وبين “العشائر”، بما يحوّل التوصيف الاجتماعي الجامع إلى مظلّةٍ سياسية للتمرد على المقاومة.
وبحسب مراقبين، فإن هذا التحويل اللغوي “يُشيطن البنية العشائرية” ويضع مئات الآلاف من الفلسطينيين في خانةٍ واحدة، فيما الحقائق المعلنة تُفيد بعكس ذلك: “عشائر أفراد قادة تلك المجموعات أعلنت براءتها منهم” وأدانت ممارساتهم “غير الوطنية”.
وقد تجاهلت الوكالة هذه البراءات كليًا، وقدّمت صورةً مقلوبة تعتبر العصابات “عشائر” بأكملها معارضة للمقاومة، ما يُكرّس وصمًا جماعيًا ويُفكّك النسيج الاجتماعي.
إغلاق صفحة الحرب… وفتح صفحة اقتتال؟
أخطر ما في التقرير، وفق محللين إعلاميين، ليس تفاصيله بل “إطاره التحريضي” فقط، إذ يزعم أن “صفحة الحرب الإسرائيلية على غزة طُويت”، وأن المرحلة التالية هي صراعٌ داخلي “بين المقاومة والعصابات”.
بهذه الصياغة، يجري تطبيع فكرة أن “المعركة المقبلة فلسطينية–فلسطينية”، وتُستدرج الجماهير لمربّع “الاستقطاب الأهلي” بدل توحيد الصفوف لمواجهة آثار العدوان وإعادة الإعمار.
ويُحذر خبراء سياسيون من أن تعميم هذا السرد يفتح الباب أمام “انتقامٍ محلي” وتجاوزٍ لمنظومات العدالة، ويُغذّي دورة عنفٍ لا يستفيد منها سوى الاحتلال.
اصطفافٌ مع ماكينة التحريض
يرى مراقبون أن محتوى “ستيب نيوز” ينسجم مع خطاب شبكة الدعاية الإسرائيلية، وعلى رأسها الواجهة الدعائية المعروفة التي تروّج لتفكيك الجبهة الفلسطينية عبر تصوير المقاومة كخطرٍ داخلي على الفلسطينيين أنفسهم.
كما يتقاطع التقرير—وفق المنتقدين—مع “الخطاب الإعلامي الإماراتي” الأوسع الذي يركّز على “شيطنة الفصائل” والترويج لبدائل “أمنية” تُسقط الحق السياسي للمقاومة وتشرعن اصطفافات محلية مسلّحة تحت لافتات “العشائر” أو “اللجان”.
وبحسب المنتقدين فمهنيًا، سقط التقرير في أربع مخالفات أساسية:
- “التحقق الانتقائي”: انتقى شهادات وصورًا تدعم فرضيته، وأهمل البيانات المناقضة—وأبرزها بيانات البراءة الصادرة عن عشائر أفراد قادة المجموعات.
- “التعميم الجارف”: عمم توصيف “العصابات” على بنى عشائرية كاملة، بما يرقى إلى وصم جماعي وتضخيم المعارضة للمقاومة.
- “إقصاء صوت الضحايا”: لم يمنح مساحةً كافية لأهالي الضحايا أو المؤسسات الأهلية التي وثّقت انتهاكات العصابات المسلحة.
- “إطارٌ تحريضي”: استخدم عناوين وصياغات تُشجع على تأطير الصراع داخليًا بدل مساءلة المسؤول الحقيقي عن الكارثة.
ويؤكد خبراء النزاعات أن الخطابات التي تُعيد تسمية “العصابات” بوصفها “عشائر” تُهدّد “السلم الأهلي” وتضغط على موارد العدالة التقليدية (الوجهاء والوساطات) لتبدو منحازة أو بموقع المعارض لفصائل المقاومة.