دلالات نجاح حملة المقاومة ضد العصابات المسلحة في غزة

حصدت حملة المقاومة الفلسطينية ضد العصابات المسلحة والإجرامية في قطاع غزة نجاحا سريعا وقوبلت بتأييد عشائري ومجتمعي واسع النطاق ما كرس دلالات قوة حضور المقاومة وحاضنتها الشعبية.
وتعكس الحصيلة المعلَنة لحملة الأجهزة الأمنية والفصائل المقاومة ضد العصابات المسلحة في قطاع غزة — بتسليم أكثر من 70 عنصرًا أنفسهم وأسلحتهم ضمن مبادرة العفو العام، والقضاء على ما يزيد عن 50 بؤرة إجرامية — تحوّلًا لافتًا في معادلة الأمن الداخلي التي أراد الاحتلال إغراقها بالفوضى على مدار عامين من حرب الإبادة.
ويشير هذا التطور إلى مسارات متعددة التأثير تمتد من الاستقرار المجتمعي إلى انتظام عمليات الإغاثة، مرورًا بإعادة بناء الثقة بين المواطنين ومقدمي الخدمة الأمنية.
أولًا: استعادة المبادرة الأمنية وتقليص الفراغ
أبرز دلالة لنجاح الحملة هي استعادة مبادرة ضبط الأمن في الشارع. فالتشظي الذي خلّفته الحرب فتح مجالًا لتنامي عصابات انتهزت الانقطاع المؤسسي ونُدرة الموارد لتوسيع نشاطاتها — من السطو والابتزاز إلى السيطرة على مخازن الإغاثة والوقود.
ويؤكد مراقبون أن تفكيك أكثر من 50 بؤرة يحدّ من “الاقتصاد الموازي” الذي عاش عليه الإجرام، ويغلق ثغرات استغلتها شبكات السوق السوداء، ما يرفع كلفة الجريمة ويُقلّص حوافزها.
ثانيًا: أثر مباشر على المساعدات والخدمات
إحدى النتائج العملية لتراجع نشاط العصابات هي تحسين الوصول الإنساني: توزيع أكثر انتظامًا للسلال الغذائية، خفض فقد الفائض أثناء النقل والتخزين، وانسيابية أكبر لعمل المنظمات المحلية والمتطوعين.
كما يساعد انحسار التهديدات على عودة جزئية للمرافق الحيوية — كالمستوصفات الميدانية ونقاط المياه ومحطات الصرف — للعمل لساعات أطول، ويمنح مقدمي الخدمة مساحة للتحرك دون حراسة مكلفة.
ثالثًا: شرعية مضاعفة للأمن العام عبر “العفو المشروط”
تشير أرقام المستسلمين من أفراد العصابات إلى أن مقاربة العصا والجزرة نجحت في تفكيك أوساط منخرطة في الجريمة من دون دفعها بالضرورة إلى المواجهة.
وتفتح مبادرة العفو العام — إذا قورنت بمسارات تأهيل ورقابة قضائية —بابًا لإعادة إدماج عناصر انزلقت إلى العنف بدافع الفقر أو الفوضى ما يمثل نموذجا يراكم شرعية أخلاقية للأجهزة الأمنية، ويخفّض الكلفة البشرية، ويقدّم صورة تُفضّل القانون على الانتقام.
رابعًا: إعادة تعريف “الأمن” بوصفه خدمة عامة
تؤكد الحملة أن الأمن شأنٌ خدمي لا مجرد هيمنة قسرية. عندما تُعلن الأجهزة أنها “لن تسمح بالعبث بأمن الشعب” وتربط ذلك بخطط للوصول إلى “مئة بالمئة من الاستقرار”، فإنها تُحرّك التوقع العام نحو معيار قابل للقياس: معدلات الجرائم، زمن الاستجابة للبلاغات، سلامة نقاط التوزيع، وعدد الشكاوى المعالجة.
خامسًا: تقوية النسيج الأهلي والضبط الاجتماعي
أعادت الحملة تفعيل أطر عرفية ومجتمعية (وجهاء، لجان أحياء، متطوعون) كمسارات وسيطة للتهدئة وتسليم المطلوبين. هذا التكامل بين الرسمي والأهلي يخلق شبكة “إنذار مبكر” للجريمة، ويمنح عمليات التسليم طابعًا أقل كلفة اجتماعيًا.
كما يقلّل من احتمالات الثأر، ويوجه طاقة الغضب الشعبي نحو قنوات قانونية بدل العدالة الذاتية.
سادسًا: من الأمن إلى التعافي الاقتصادي
الأمن شرط لازم لـتعافي الأسواق المحلية، وانحسار السطو والابتزاز يسمح بعودة التجار الصغار إلى نشاطهم، ويحسّن الثقة في سلاسل الإمداد، ويقلّل كلفة التأمين غير الرسمي.
وعليه فإن تفكيك عشرات البؤر الإجرامية وتسليم عشرات المسلحين أنفسهم يمهّدان لفرصة نادرة تتضمن تحويل الهدوء الأمني إلى عقدٍ اجتماعي جديد يعيد الاعتبار لسيادة القانون وحماية المدنيين، ويؤسّس لمرحلة توزيع عادل للمساعدات وتعافٍ اقتصادي أولي.
ويؤكد المراقبون أن النجاح الحقيقي لن يقاس بعدد المداهمات، بل بقدرة غزة على نزع سلاح الجريمة وتحصين المجتمع بمنظومات عدالة وفرص كريمة تُغلق الطريق أمام عودة العصابات من نوافذ الفقر والفوضى.