محمودعباس يحتفل بعيد ميلاده التسعين: ثلاثة عقود من السيطرة والفشل والفساد

يحتفل رئيس سلطة رام الله محمود عباس، اليوم 15 تشرين ثاني/نوفمبر بعيد ميلاده التسعين، منها ثلاثة عقود من السيطرة والفشل والفساد في إدارة الشأن الفلسطيني.
إذ وراء مظاهر الاحتفال والفخامة ب”سيادة رئيس دولة فلسطين”، يكشف التاريخ السياسي لمسيرة عباس عن نموذج حكم طويل يطغى عليه الفشل، والانفراد بالسلطة، والتورط في ملفات فساد متزايدة، وتحويل مؤسسات الدولة الفلسطينية إلى أدوات للهيمنة الشخصية.
ومنذ توليه رئاسة السلطة الفلسطينية في عام 2005، بعد استشهاد سلفه ياسر عرفات في ظروف غامضة وشبهات تعرضه للاغتيال بالسم، تبنى عباس سياسة واضحة قائمة على التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي، معتمداً على ما يُعرف بنهج التسوية السياسية مقابل التنازلات على الأرض والمقدرات الوطنية.
لكن هذا النهج لم يحقق أي تقدم ملموس نحو إقامة دولة فلسطينية مستقلة، بل أسهم في تعزيز السيطرة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية، وتقليص أي هامش للمقاومة السياسية أو الشعبية.
وبحسب مراقبين فإن التنسيق الأمني الذي أصبح جزءًا من سياسات السلطة تحت حكم عباس لم يكن مجرد أداة للحفاظ على الاستقرار، بل وسيلة لتعزيز نفوذ عباس وأجهزته على الأرض، وضمان استمرارية سيطرته على غزة والضفة دون أي مساءلة حقيقية.
محمود عباس ويكيبيديا
أحد أبرز علامات حكم عباس هو تغييب الانتخابات العامة على مدى سنوات طويلة، ما جعله يستأثر بالسلطة دون أي شرعية شعبية جديدة.
فالانتخابات التي كان من المفترض أن تُجرى على فترات منتظمة لم تُنفذ، سواء للبرلمان أو الرئاسة، ما أدى إلى فقدان المؤسسات الفلسطينية للشرعية أمام المواطنين الفلسطينيين والدول المانحة على حد سواء.
وقد سمح هذا الانفراد بالسلطة لعباس بتحويل السلطة الفلسطينية إلى ما يشبه مزرعة شخصية، تُدار لخدمة مصالحه ومصالح أبنائه وأزلامه في الحكم، دون مراعاة لمبادئ العدالة أو المحاسبة.
كما أن الهيمنة الشخصية لعباس لم تقتصر على السلطة التنفيذية، بل امتدت إلى تقسيم الصف الفلسطيني الداخلي.
فمن خلال السيطرة على مفاصل السلطة، عرقل عباس أي محاولة جدية لإنهاء الانقسام الفلسطيني، سواء في الحوار مع حركة حماس وباقي الفصائل الفلسطينية أو تعزيز الوحدة الوطنية.
وقد انعكس هذا الانقسام على كل مستوى من الحياة السياسية الفلسطينية، وأدى إلى إضعاف أي قدرة للمؤسسات على ممارسة عملها بفعالية، بما في ذلك منظمة التحرير الفلسطينية، التي تحولت تدريجيًا إلى هيئة شكلية تفتقد للوظائف الحقيقية والتأثير السياسي، واكتفت بدور رمزي لا يوازي حجم المسؤوليات المفترضة عليها.
من ناحية أخرى، يُسجل لحكم عباس سجل مخزي من الفساد الإداري والمالي.
وتؤكد التقارير الدولية أن موارد السلطة ومؤسساتها تُدار وفق مصالح نخبة ضيقة، حيث تُستغل الوظائف العامة والصفقات المالية لتعزيز الولاءات السياسية، بدلًا من خدمة المواطنين أو تطوير البنية التحتية الفلسطينية.
ويظهر الفساد المستشري في مؤسسات سلطة رام الله في تزايد الانقسامات الداخلية، انخفاض مستوى الخدمات، وضعف الشفافية في التعامل مع الأموال العامة والمساعدات الدولية، وهو ما يجعل أي إصلاح فعلي مستبعدًا طالما ظل عباس مسيطرًا.
من هو محمود عباس؟
لا تقتصر خطورة نهج عباس على الفساد أو الانفراد بالسلطة، بل تمتد إلى الحد من حرية التعبير والسياسة.
فقد شهدت السنوات الأخيرة حملات تضييق على الإعلاميين والنشطاء السياسيين، وأجهزة أمن السلطة مارست القمع ضد كل صوت معارض، سواء كان في الضفة أو داخل غزة، بما في ذلك الاعتقالات التعسفية وملاحقة المعارضين السياسيين، وهو ما يعكس طابع حكم سلطوي يركز على حماية النفوذ الشخصي على حساب حقوق المواطنين.
كما أن سياسات عباس لم تحقق أي تقدم في الملف الدولي؛ فالتسوية السياسية التي يعتمد عليها لم تنتج سوى استنزاف مستمر للحقوق الفلسطينية على الأرض، مع تمكين الاحتلال من فرض مزيد من السيطرة على القدس، الأراضي الفلسطينية المحتلة، والمستوطنات.
بموازاة ذلك جعل التزام عباس بالنهج الدبلوماسي دون موازنة سياسية داخلية، الفلسطينيين أكثر ضعفًا في مواجهة الاحتلال، وهو ما يعكس فشلًا مزدوجًا: داخليًا من حيث الإدارة والشرعية، وخارجيًا من حيث الدفاع عن الحقوق الفلسطينية.
وبالمحصلة فإن عيد ميلاد عباس التسعين يأتي في وقت تعاني فيه سلطة رام الله من أزمة شرعية حادة، انقسام داخلي مستمر، فساد مالي وإداري متفشٍ، وإخفاق واضح في تحقيق أي تقدم نحو الدولة الفلسطينية المستقلة.
وتظهر مسيرة عباس منذ 2005 أن السلطة أصبحت أداة لخدمة مصالح شخصية وعائلية، وأن أي إنجاز سياسي أو اجتماعي حقيقي قد تم طمسه بفعل سياساته الفردية والتحكمية.
ويظل التحدي الأكبر أمام الفلسطينيين هو بناء نظام سياسي قادر على استعادة الشرعية الشعبية، إنهاء الانقسام، ومكافحة الفساد المستشري، بعيدًا عن التحكم الفردي الذي رسخه عباس لعقود.
ويؤكد المراقبون أنه من دون إصلاح شامل، ستظل سلطة رام الله تحت حكم عباس مجرد مظلة رمزية، تعكس مصالح فرد أو نخبة ضيقة، أكثر من كونها مؤسسة وطنية تمثل الشعب الفلسطيني وقضيته.





