تحليلات واراء

التطبيع التكنولوجي: إنقاذ عربي لإسرائيل في زمن إبادة غزة

في الوقت الذي تتعرض فيه دولة الاحتلال الإسرائيلي لأوسع موجة عزلة دولية منذ قيامها وتتصاعد المقاطعات الأوروبية والأكاديمية والثقافية، وتتعمّق صورة تل أبيب كدولة منبوذة بعد حرب إبادة غزة، تواصل دول التطبيع العربي مدّ يد الإنقاذ للاقتصاد الإسرائيلي، وتمهيد الطريق لشراكات تكنولوجية وطاقة وفضاء ونووي، وكأن الدم الفلسطيني ليس سوى خلفية صامتة لمشهد تعاون إقليمي جديد.

إذ كشفت التقارير الأميركية والإسرائيلية، بما فيها ما نشره موقع (تايمز أوف إسرائيل) العبري، أن واشنطن تدفع نحو مجلس سلام تكنولوجي يجمع السعودية والإمارات والولايات المتحدة مع تل أبيب.

ويندرج ذلك في إطار جهود الإدارة الأمريكية لإحياء “صفقة إقليمية” تعيد صياغة الشرق الأوسط عبر دمج دولة الاحتلال في شراكات فائقة التطور تشمل الطيران والطاقة النووية والفضاء والذكاء الاصطناعي.

وبينما في الظاهر، يبدو هذا مشروعاً تكنولوجياً فإن جوهره يمثل شبكة إنقاذ اقتصادي وسياسي لإسرائيل في اللحظة التي فُرضت عليها أطواق العزلة.

دول التطبيع العربي: طموحات تكنولوجية… بثمن سياسي

تستثمر السعودية والإمارات ن مليارات في الصناعات المتقدمة من برامج الفضاء النووي إلى الذكاء الاصطناعي في حين تملك دولة الاحتلال قدرات تقنية ودفاعية تجعلها حجر الزاوية في أي تحالف تكنولوجي إقليمي.

ويحذر مراقبون من أن هذا التحالف لو اكتمل، سيمنح تل أبيب شرعية استراتيجية تحتاجها بشدة بعد حرب غزة، وسيعيد دمجها في الإقليم عبر بوابة التكنولوجيا.

بمعنى آخر بينما يطالب العالم بمحاسبة دولة الاحتلال على جرائمها المروعة في حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، تختار دول التطبيع العربي مكافأتها.

ويأتي ذلك في وقت يعد الاقتصاد الإسرائيل في أسوأ وضع منذ عقود بفعل هروب الاستثمارات وانهيار ثقة الشركات الدولية وتراجع السياحة في ظل تكاليف عسكرية هائلة وحملة مقاطعة عالمية متصاعدة

وعليه فإن أي شراكة نووية أو فضائية أو صناعية مع الخليج ستشكّل حقنة أوكسجين سياسية واقتصادية لتل أبيب. وبدل استخدام هذه اللحظة لممارسة الضغط لإنهاء الاحتلال، تمنح بعض الدول العربية دولة الاحتلال طريقاً للهروب من أزمتها.

مأساة غزة: الغائب الأكبر

مئات آلاف الشهداء والجرحى والمهجّرين في غزة، مدن كاملة مُسِحت من الخارطة، مجاعة تتوسع، وكارثة إنسانية غير مسبوق ومع ذلك، تستمر اللقاءات الدبلوماسية والتسريبات لدول التطبيع العربي مع دولة الاحتلال.

ويمثل ذلك إنها فجوة أخلاقية هائلة تُظهر أن بعض الأنظمة العربية باتت تفصل بين مصالحها الوطنية وبين جوهر القضية الفلسطينية بما يكرس التخلّي العلني عن الشعب الفلسطيني.

وبينما يناقش الأوروبيون فرض عقوبات على دولة الاحتلال، والجامعات الغربية تقطع الشراكات الأكاديمية، بينما الشركات العالمية تغلق فروعها، والهيئات الفنية والثقافية تحظر المشاركة الإسرائيلية تريد واشنطن تعلن قرب إطلاق “مجلس سلام” تكنولوجي.

ويتزامن ذلك مع تقارير تكشف لقاءات سعودية–أميركية–إسرائيلية لصياغة تفاهمات واسعة النطاق حول التطبيع العلني، بينما تتوسع الإمارات بتحالفها المعلن مع تل أبيب بما في ذلك مشاريع نووية وطيران وتصنيع دفاعي.

ويشير المراقبون إلى أن هذا النهج من دول التطبيع لا يدعم دولة الاحتلال واقتصادها فقط، بل يضرب الإجماع العالمي الذي يتشكل لمحاسبة تل أبيب وعزلها.

كما أن هذه المشاريع تمنح دولة الاحتلال دوراً قيادياً في مستقبل المنطقة رغم الجرائم التي ترتكبها في غزة—بل ربما بسببها، لأنها تستخدم الحرب لتسريع دمجها عبر واشنطن والخليج.

ويكشف ذلك أنه بدلاً من دعم غزة، تُقدّم دول التطبيع العربي أثمن ما تملكه من المال والتكنولوجيا والبنية الصناعية لتلميع صورة دولة الاحتلال وإعادة دمجها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى