السيسي مشارك في الحصار: حراك دولي يتصاعد ضد دور مصر في تجويع غزة

في وقت يتفاقم فيه الوضع الإنساني في قطاع غزة ليصل إلى حافة المجاعة، لا يقتصر الغضب الشعبي على الاحتلال الإسرائيلي، بل يمتد وبقوة إلى النظام المصري الذي يُتهم بأنه شريك فعلي في استمرار الحصار وفي تجويع غزة.
ومن أبرز معالم هذا الغضب الشعبي، تصدر وسم #حصار_السفارات_المصرية وسائل التواصل الاجتماعي، مدفوعًا بفعاليات احتجاجية متصاعدة شملت إغلاق سفارات مصرية في عدد من العواصم الأوروبية.
يشير هذا الحراك الشعبي المتزايد إلى تحول نوعي في المزاج العربي والدولي تجاه الدور المصري الرسمي في إدارة المعبر الوحيد غير الإسرائيلي الذي يمكن أن يكون شريان الحياة لغزة: معبر رفح.
وسم يجتاح العالم العربي: غضب لم يعد محصورًا بغزة
منذ أيام، بدأ وسم #حصار_السفارات_المصرية بالتوسع بشكل سريع على منصات “إكس” (تويتر سابقًا)، وفيسبوك، وتيك توك، متصدرًا التريند في دول مثل الأردن، تونس، الجزائر، قطر، ولبنان.
وسرعان ما اجتاح الوسم النقاشات العامة والإعلام البديل، ليعكس إجماعًا شعبيًا واسعًا على أن الرئيس عبد الفتاح السيسي شريك مباشر في الحصار المفروض على غزة.
الوسم، الذي تجاوز مئات آلاف المشاركات خلال أيام، تضمن مقاطع مصورة وبيانات وشهادات من نشطاء، دعوا فيها إلى تحميل مصر المسؤولية القانونية والأخلاقية عن تفاقم الوضع الإنساني في القطاع، بسبب إغلاق معبر رفح وتأخير دخول المساعدات بشكل متكرر.
إغلاق السفارات: شكل احتجاجي غير مسبوق
في تحرك ميداني لافت، أغلق نشطاء ومتضامنون عرب وأوروبيون أبواب السفارات المصرية في كل من هولندا، السويد، ألمانيا، وإسبانيا، عبر سلاسل بشرية، أو باستخدام أقفال حديدية، أو بالاعتصام أمام البوابات.
أبرز هذه الفعاليات حدث في أمستردام، حيث أقفل ناشط مصري مقيم هناك السفارة المصرية احتجاجًا على “تواطؤ نظام بلاده في خنق غزة”. كما نظّم نشطاء وقفة أمام السفارة المصرية في ستوكهولم، رفعوا خلالها لافتات كتب عليها:
“غزة تموت.. والسيسي يغلق المعبر”
وتحوّلت هذه الوقفات إلى منصات رمزية للمحاسبة الشعبية الدولية ضد النظام المصري، خصوصًا بعد انتشار صور لأطفال غزة وهم يبحثون عن فتات خبز أو طعام في مكبات النفايات، ما عمّق مشاعر الغضب العالمي.
ويمثّل معبر رفح الحدودي شريان الحياة الوحيد لغزة غير الخاضع للسيطرة الإسرائيلية. ومع ذلك، ظل مغلقًا لفترات طويلة منذ بدء العدوان الإسرائيلي في أكتوبر/تشرين الأول 2023، ما تسبب في تكدّس آلاف الشاحنات الإغاثية على الجانب المصري، وسط تقارير عن منع دخول الوقود، والمياه، والمساعدات الطبية الأساسية.
وتتهم منظمات دولية وعربية، من بينها الهلال الأحمر، ومنظمة أوكسفام، والعديد من منظمات حقوق الإنسان، الحكومة المصرية بـ”استخدام المعبر أداة سياسية للضغط”، رغم التذرع بأسباب أمنية أو خلافات حول التنسيق مع سلطات غزة.
مصر في مرمى المنظمات الحقوقية
لم تعد الانتقادات موجهة فقط من الشارع العربي، بل باتت مؤسسات دولية أيضًا تُحمّل مصر مسؤوليةً مباشرة عن الحصار. في تقرير حديث أصدرته منظمة “هيومن رايتس ووتش”، جاء أن “القيود التي تفرضها مصر على معبر رفح لا يمكن فصلها عن الأزمة الإنسانية في غزة”، مضيفة أن “مصر ملزمة قانونًا بتمكين دخول المساعدات”.
كما دعت منظمة العفو الدولية القاهرة إلى “وقف سياسة التجويع الجماعي”، معتبرة أن “التواطؤ مع الحصار يمثل انتهاكًا للقانون الدولي الإنساني”.
وفي مقابل تصاعد الأصوات الحقوقية والاحتجاجات، يتمسك الإعلام الرسمي المصري بسردية تنفي أي مسؤولية مصرية، محمّلاً كامل المسؤولية لحماس، ومتهمًا منظمات الأمم المتحدة بـ”سوء التنسيق”.
برامج حوارية بارزة على قنوات مثل “صدى البلد” و”المحور” و”dmc” خصصت حلقات لتبرير إغلاق المعبر، فيما يخرج مذيعون مصريون – من بينهم نشأت الديهي وأحمد موسى – للدفاع عن “حق مصر في أمنها القومي”، متجاهلين أن غزة تحت القصف والحصار منذ شهور.
هذا التماهي الإعلامي يعمّق الأزمة، ويؤكد في نظر كثيرين أن “القاهرة الرسمية تمارس التواطؤ الإعلامي بالتوازي مع التواطؤ السياسي”، كما جاء في تعليق لناشط أردني خلال وقفة في برلين.
أبعاد استراتيجية: هل تريد مصر تركيع غزة؟
تحليلات سياسية متزايدة تربط بين الدور المصري وبين رغبة القاهرة في تحجيم فصائل المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها حماس، من خلال تضييق الخناق المعيشي. ويشير مراقبون إلى أن مصر تسعى لترتيب “واقع سياسي ما بعد الحرب” يضمن لها النفوذ، حتى ولو جاء ذلك على حساب الشعب المحاصر.
إضافة إلى ذلك، يرى مراقبون أن مصر تحاول التماهي مع مواقف إقليمية أوسع – مثل الإمارات وإسرائيل – تسعى إلى إعادة هندسة المشهد السياسي الفلسطيني بعد الحرب.
وتؤكد الأحداث الأخيرة أن الشارع العربي لم يعد يتسامح مع من يتواطأ في خنق غزة، سواء أكان ذلك بالصمت أم بالفعل المباشر. تصدر وسم #حصار_السفارات_المصرية، وإغلاق البعثات المصرية حول العالم، ليس سوى مقدمة لتصعيد شعبي منسق، قد يتحول لاحقًا إلى حراك سياسي منظم.
فبينما تُرفع الأعلام الفلسطينية أمام السفارات المصرية، فإن الرسالة التي باتت واضحة هي: “من يشارك في تجويع غزة، لن يفلت من المحاسبة الشعبية، مهما برر أو تذرع.”