قرارات عباس الداخلية: استجابة لضغوط خارجية أم مناورة للبقاء السياسي؟

برز في خطاب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أمام القمة العربية الطارئة في القاهرة إعلانه عن قرارات داخلية أثارت تساؤلات عن كونها جاءت استجابة لضغوط خارجية أم مناورة للبقاء السياسي.
وشملت قرارات عباس تعيين نائبا له في رئاسة منظمة التحرير وما يصفه دولة فلسطين من دون أن يحدد اسما على الفور، إلى جانب إصدار عفوا عن المفصولين في حركة “فتح”.
وقد استأثر عباس (90 عاما) على مدار سنوات حكمه منذ انتخابه رئيسا للسلطة عام 2005 على كافة المناصب الرسمية ورفض دعوات متكررة بتعيين نائبا له أو إجراء انتخابات عامة جديدة.
وتحت زعامته شهدت حركة فتح موجات متتالية من الاضطرابات والنزاعات الداخلية قابلها دائما بمراسيم حملت إقصاء العشرات من قيادات الحركة بينهم أعضاء في اللجنة المركزية والمجلس الثوري والهيئات القيادية المختلفة في الحركة.
ورأى مراقبون أن الضغط الخارجي خاصة من دول خليجية مطالبة بإصلاح السلطة الفلسطينية هو ما أدى إلى قرار عباس بالعفو العام عن جميع المفصولين من فتح، ما يفهم منه عودة القيادي محمد دحلان وتياره الإصلاحي إلى صفوف الحركة، وبداية النهاية لحقبة عباس نفسه.
وبحسب المراقبين فقد ذهب عباس إلى القاهرة حاملا معه رؤية سياسية قديمها جديدها، وجديدها قديمها، علما أن السلطة الفلسطينية كان تم استثنائها من اجتماع الرياض الذي سبق القمة العربية وتناول وضع الخطوط العريضة للموقف العربي إزاء تطورات القضية الفلسطينية.
خضوع للضغوط
رأي الكاتب والمحلل السياسي من غزة وسام عفيفة أن خطوات عباس جاءت استجابة للضغوط الخارجية باعتبار أنه ظل لسنوات يتهرب من أي استحقاقات مماثلة.
وبحسب عفيفة فإن عباس “وجد نفسه فجأة يوزع قرارات العفو ويستحدث المناصب، لا قناعة بالإصلاح، بل تحت وطأة الضغوط التي تمارسها عواصم عربية، تهيئ المسرح لما بعده، في مشهد يُراد له أن يكون انتقالياً لكنه أقرب إلى إعادة ترتيب الأوراق على الطاولة نفسها”.
واعتبر عفيفة أن استحداث منصب نائب رئيس لمنظمة التحرير يبدو كإشارة إلى شكل الترتيبات القادمة، لكنه لا يجيب عن السؤال الأهم: من سيملأ هذا الفراغ؟.
وأضاف أن “العفو العام (عن المفصولين من فتح)، فهو محاولة متأخرة لترميم بيت تتداعى جدرانه بفعل عوامل داخلية وخارجية، فيما المهم الآن، ليس ما أُعلن في قمة عربية اعتادت على الخطب، بل ما يُحاك في الكواليس لليوم التالي”.
انحناء لعاصفة القمة
تعليقا على خطاب عباس، تساءل مدير مركز “مسارات” للأبحاث والدراسات في رام الله هاني المصري، إن كان العفو عن المفصولين مقدمة لمصالحة فتحاوية أم مجرد انحناء لعاصفة القمة؟ وإن كان تعيين نائب قرار جدي أم مناورة؟.
وعقب المصري “أثير ما سبق بسبب أن هذه مطالب قديمة وكان الأولى أن تتم قبل القمة، ولأن عدد الاتفاقات التي انتهت اليها حوارات المصالحة التي لم تنفذ كبير جدا، رغم أن رعاتها عواصم وازنة مثل القاهرة والدوحة وبكين وموسكو والجزائر وغيرها”.
وأبرز أن خطاب عباس أمام القمة العربية الطارئة “كان يختلف عن الخطة المصرية فهو تجاهل اللجنة الإدارية وتحدث عن عودة السلطة للقطاع، وتحدث عن دعم الخطة المصرية الفلسطينية العربية، وتحدث عن الوحدة بالمصطلحات القديمة نفسها”.
وختم المصري مشككا في جدية توجهات عباس “طبعا نريد ونتمنى أن تتحقق مصالحة فتحاوية تفتح الباب لتحقيق وحدة وطنية، ولكن ليس كل ما يتمنى المرء يدركه”.
الاستعداد لاحتمال إنهاء السلطة
رأت رئيس تحرير صحيفة “الحدث” الصادرة في الضفة الغربية رولا سرحان، أن تعيين نائب لرئيس منظمة التحرير يرتبط بأن المرحلة المقبلة قد تشهد فرض أمر واقع يخطط له الإسرائيلي منذ مدة وبات يدركه الفلسطيني يشمل إنهاء السلطة تماما.
واعتبرت سرحان أن السلطة الفلسطينية “أدركت متأخرة جدا أهمية منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الإطار الفلسطيني الجامع الشرعي الوحيد للفلسطينيين، وما عاداها بات فاقد الشرعية “.
وتابعت “أدركت السلطة أن طوق النجاة الوحيد لقياداتها هو الانتقال لقيادة المنظمة بدل قيادة السلطة، وهو ما يفهم من الترتيبات الأخيرة التي يجري الإعداد لها لتولي نفس شخوص السلطة لمهام جديدة في المنظمة عند إنهاء السلطة”.
وشددت سرحان على أن “الحل الحقيقي يكمن في صياغة جذرية شاملة وغير تجميلية يعفى فيها كل من هم في مناصبهم الآن وإفساح المجال لقيادات شابة مستقلة وطنية لتولي مهام قيادة الشعب الفلسطيني”.