تحليلات واراء

تكريس احتلال رفح وعلاقته بخطط الاحتلال لتمكين عصابة أبو شباب

يستهدف جيش الاحتلال الإسرائيلي تكريس احتلال رفح وإبقاء تواجده العسكري في المدينة لأطول فترة ممكنة لخدمة خططه وفي مقدمتها تمكين عصابة العميل ياسر أبو شباب بالتسليح والتدريب لتجنيد أوسع.

ففي ظل التصعيد الإسرائيلي المستمر في قطاع غزة وخصوصًا في مدينة رفح، يبدو أن الاحتلال الإسرائيلي لا يسعى فقط للسيطرة العسكرية على الأرض، بل يعمل أيضًا على بناء نموذج جديد من السيطرة من خلال العصابات المسلحة العميلة التي تخدم أهدافه الأمنية والسياسية.

من أبرز هذه الظواهر التي تتجلى في رفح، ظهور وازدهار عصابة أبو شباب التي باتت تمثل أداة استراتيجية إسرائيلية لتثبيت السيطرة، إرباك النسيج الاجتماعي الفلسطيني، وفرض واقع أمني جديد يعيق المقاومة الحقيقية.

ويبرز من بين أهداف الاحتلال الإصرار على البقاء العسكري في رفح في كل جولات مفاوضات وقف إطلا النار، حرصه على إتمام همة تسليح عصابة أبو شباب التي باتت تهدد الأمن الداخلي الفلسطيني وتزيد من حالة الفوضى التي تُراد للقطاع أن يعيشها.

عصابة أبو شباب: من الجريمة إلى التخابر

ياسر جهاد منصور أبو شباب، الذي وُلد في 27 فبراير 1990 في مدينة رفح، هو ابن قبيلة “الترابين” البدوية، وقد ترك الدراسة في سن مبكرة، حيث لا يجيد القراءة والكتابة، واتجه منذ وقت مبكر إلى عالم الجريمة، لا سيما تجارة المخدرات بأنواعها المختلفة.

اعتُقل أبو شباب عدة مرات من قبل أجهزة الأمن الفلسطينية قبل اندلاع الحرب في أكتوبر 2023، بتهم تشمل السرقة وتجارة المخدرات، لكنه فر من السجن بعد أن استهدف قصف إسرائيلي مقر الأمن الذي كان محتجزًا فيه، مما أتاح له الفرصة للتأسيس لمجموعته المسلحة التي تعمل منذ ذلك الحين بالتنسيق مع الاحتلال الإسرائيلي، وبشكل خاص في مناطق السيطرة العسكرية شرق رفح.

العصابة التي يقودها أبو شباب تضم نحو مئة مسلح، أغلبهم من الهاربين من سجون الأمن الفلسطيني، وتستفيد بشكل مباشر من الحماية الإسرائيلية التي تمنع تنفيذ عمليات عسكرية إسرائيلية ضدها، الأمر الذي يضمن لها الاستمرار في نشاطها.

تعزيز الاحتلال لقوة “أبو شباب”

مع دخول الاحتلال إلى رفح في مايو 2025، بدأت عصابة أبو شباب في تصعيد نشاطاتها الأمنية والاجتماعية في المدينة، حيث سيطرت على عمليات تفتيش أحياء رفح، ونهب شاحنات المساعدات الإنسانية، مما أدى إلى مواجهات مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية.

والأمر لم يكن مجرد ظهور عشوائي لمليشيا مسلحة، بل كان نتيجة تخطيط إسرائيلي مدروس، فقد كشفت مصادر إسرائيلية أن جهاز الشاباك، وبموافقة سياسية رفيعة المستوى، قام بتسليح هذه المجموعة وتدريبها، مضيفًا بذلك ذراعًا مسلحًا محليًا تحت السيطرة الإسرائيلية.

هذا التسليح شمل بنادق هجومية، مسدسات، وأسلحة خفيفة، مما حول المجموعة من عصابة محلية إلى قوة مسلحة ذات قدرة على فرض سيطرتها، لا على المقاومة فحسب، بل على السكان المدنيين أنفسهم.

أهداف الاحتلال من دعم “أبو شباب”

الاحتلال لا يريد فقط السيطرة العسكرية على الأرض، بل يسعى إلى بناء واقع جديد داخل غزة يكون فيه وجود المقاومة مهددًا ومحدودًا، وفي الوقت نفسه يعم الفساد، الفوضى، والاقتتال الداخلي، لتقويض وحدة الصف الفلسطيني وإضعاف الموقف التفاوضي والقتالي للمقاومة.

وبهذا الصدد تُستخدم عصابة أبو شباب كأداة لتحقيق عدة أهداف استراتيجية:

تأمين السيطرة على مناطق استراتيجية: من خلال وجود مليشيا محلية تسيطر على الأحياء وتتفشى فيها العصابات المسلحة، تضمن إسرائيل حماية معابرها ومواقعها الحيوية، مثل معبر كرم أبو سالم، وتثبيت مناطق نفوذها.

زرع الفتنة وإضعاف النسيج المجتمعي: عبر أعمال النهب، الابتزاز، والاعتداءات على المدنيين، تخلق هذه المجموعات حالة من الفوضى والاقتتال الداخلي، مما يشتت التركيز عن المقاومة ويركز على مشاكل داخلية تؤدي إلى استنزاف المجتمع الفلسطيني.

تصوير المقاومة كطرف سلبي: عبر عمليات التضليل الإعلامي التي تصاحب نشاط هذه المجموعات، يروج الاحتلال رواية أن الفصائل المقاومة هي سبب الفوضى والعنف داخل القطاع، وأن هذه الجماعات المحلية هي حراس النظام والأمن.

تجريب نموذج “الجيش المحلي”: إنشاء قوة محلية مرتبطة بالاحتلال يتيح له تخفيف الأعباء العسكرية المباشرة، ويعطيها غطاء شرعنة مزعومة في فرض الأمن داخل القطاع.

تداعيات استمرار دعم الاحتلال لهذه الظاهرة

مع استمرار الاحتلال في دعم وتسليح عصابة أبو شباب، تتزايد المخاطر الأمنية والسياسية على غزة، ويزداد انقسام المجتمع الفلسطيني الداخلي، وتتعمق حالة التوتر بين الأجهزة الأمنية ومجموعات مسلحة تابعة للاحتلال، مما يهدد باستمرار دائرة العنف والصراع الداخلي.

كما أن دعم الاحتلال لهذه الظاهرة يضعف فرص التوصل إلى حل سياسي أو حتى هدنة مستقرة، حيث تبقى المنطقة تحت سيطرة مليشيات مسلحة تزرع الفوضى وترهيب السكان، وتهدد أي جهود لتوحيد الصف الفلسطيني.

وعليه فإن تغذية “ظاهرة أبو شباب” وتوسيعها بالتدريب والسلاح، يمثل جزءًا من سياسة ممنهجة تستهدف تقويض المقاومة الحقيقية، وزرع الفوضى، وتحويل غزة إلى ساحة صراعات داخلية تهدر الطاقات الفلسطينية، بعيدًا عن هدف التحرير الوطني.

ويؤكد مراقبون أن مواجهة هذه الظاهرة تستلزم جهودًا وطنية حقيقية، وتعزيز التنسيق الأمني والمجتمعي لإجهاض مشروع الاحتلال في خلق معادلة أمنية جديدة على حساب الشعب الفلسطيني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى