مهرجان جرش 2025: الأردن يرشّ الملح على جرح غزة رغم الغضب الشعبي

رغم تصاعد المجازر اليومية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في غزة، وقتل أكثر من 60 ألف فلسطيني، وانهيار شبه تام للبنية التحتية للقطاع، قرر النظام الأردني المضيّ قدمًا في تنظيم مهرجان جرش للثقافة والفنون 2025، وسط انتقادات داخلية وخارجية واسعة، اعتبرته بمثابة “رشّ للملح على جراح غزة” وتجاهلًا فجًّا لأبسط قيم التضامن الإنساني والعربي.
وقد انطلقت فعاليات مهرجان جرش قبل أيام في ظل أجواء احتفالية صاخبة، تخللتها سهرات فنية غنائية راقصة، واستقبال لنجوم عرب على مدرجات أثرية، في وقت يُدفن فيه أطفال غزة تحت الأنقاض، ويُحاصر عشرات الآلاف في مجاعة مصنّعة تقطع عنهم المياه والدواء والاتصال.
تزامن الحفل الافتتاحي مع واحدة من أعنف موجات القصف الإسرائيلي على شمال القطاع، والتي استهدفت مخيمات النازحين ومستشفيات ميدانية ومراكز توزيع المساعدات.
وكان من اللافت أن السلطات الأردنية لم تُصدر أي بيان تضامني يُراعي على الأقل الحد الأدنى من مشاعر المواطنين الذين تابعوا صور المذابح على شاشات هواتفهم في ذات اللحظة التي كان يُبث فيها حفلٌ موسيقي على القناة الرسمية الأردنية.
الغضب الشعبي يُقابل بالتجاهل
أطلق نشطاء أردنيون وفلسطينيون وعرب حملات على وسائل التواصل الاجتماعي تطالب بإلغاء المهرجان، أو على الأقل تخصيصه هذا العام للتضامن مع غزة، كما فعلت دول ومؤسسات ثقافية حول العالم في مقاطعة الاحتلال فنياً.
لكن النظام لم يلتفت لأي من تلك المطالب، واختار المضي قدمًا في تلميعه لصورة “الاستقرار الأردني” عبر فعاليات استعراضية.
وردّت جهات رسمية بأن “الفن مقاومة، وأن المهرجان لا يتعارض مع الموقف الثابت من القضية الفلسطينية”، وهي تصريحات وُصفت بأنها سطحية ومنافقة، تتجاهل فظاعة المجازر الجارية على بُعد بضعة كيلومترات من العاصمة عمّان.
التواطؤ الصامت
تُشير هذه الخطوة إلى تواطؤ سياسي عميق مع الاحتلال الإسرائيلي، لا يقتصر على الصمت الرسمي تجاه الحرب الجارية، بل يمتد إلى:
استمرار التنسيق الأمني الصامت مع تل أبيب منذ أكتوبر 2023 رغم انسحاب بعض الدول العربية من هذا المسار.
حجب التظاهرات الشعبية المطالِبة بطرد السفير الإسرائيلي من عمان، أو تلك التي حاولت الوصول للحدود تضامنًا مع غزة.
منع دخول مساعدات شعبية عبر المعابر الأردنية نحو القطاع، بحجة “الترتيبات اللوجستية”، رغم السماح بمرور مساعدات إماراتية أميركية تُستخدم لتبييض الدور الإسرائيلي.
تناقض فج مع خطاب “الدفاع عن القدس”
لطالما سوّق النظام الأردني نفسه بوصفه “الوصي على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس”، لكن استمرار الأنشطة الترفيهية والسياحية وسط مجازر غير مسبوقة في غزة، يُظهر تناقضًا صارخًا بين الشعارات والخطوات العملية.
فالاحتلال، الذي يقتل الأطفال بالقصف والتجويع، هو نفسه الذي يواصل تهويد المسجد الأقصى ومصادرة أراضي القدس والضفة، دون أي تحرك سياسي أردني ملموس سوى التصريحات الرمزية.
ويأتي مهرجان جرش، كما يرى مراقبون، في إطار سياسة ممنهجة لـإلهاء الشارع الأردني عن الانخراط الجاد في دعم القضية الفلسطينية، عبر جرّه إلى مساحة من “الترويح الثقافي” التي لا تحمل أي مضمون وطني أو تحشيد شعبي.
ويخشى كثير من النشطاء من أن يتحوّل المهرجان إلى أداة لتطبيع الوعي، في وقت تشتد فيه الحاجة إلى التوعية بحجم المجازر والمخاطر التي تهدد القضية الفلسطينية برمّتها، خاصة مع الدعوات الدولية لتفريغ غزة وترحيل سكانها.
مقارنة مخجلة مع مواقف أخرى
ألغت دول ومدن عديدة في العالم فعاليات فنية وثقافية تضامنًا مع غزة، بما في ذلك مهرجانات في بريطانيا وفرنسا وأميركا اللاتينية، بل إن فرق موسيقية إسرائيلية أُقصيت من مشاركات دولية بسبب الصراع الجاري.
أما الأردن، ففضّل أن يتجاهل الدم، ويعزف الموسيقى على وقع المجازر.
ويرى كثيرون أن مهرجان جرش 2025 لا يُمكن فصله عن موجة التطبيع الصامت التي تتغلغل في السياسات العربية الرسمية. ورغم أن عمان لم توقع اتفاقيات تطبيع علنية جديدة، إلا أن سلوكها الميداني، كما في هذا المهرجان، يكشف عن توجهات مقلقة نحو تجريد الدعم للقضية من معناه العملي والاكتفاء بالشعارات الفارغة.
وفي وقت يحتاج فيه الفلسطينيون إلى كل صوت وموقف ونبضة ضمير، اختار النظام الأردني المضي في إنكار الدم الفلسطيني والرقص على أنقاضه.
بالتالي فغن مهرجان جرش هذا العام ليس مجرد فعالية ثقافية، بل صار رمزًا للخذلان والتواطؤ والتغطية على حرب الإبادة الإسرائيلية، بما يُثبت أن معركة غزة لا تُخاض فقط بالسلاح، بل أيضاً عبر مواقف الأنظمة وسلوكها العام. إنه اختبار أخلاقي قبل أن يكون سياسيًا، ويبدو أن عمان – في هذا المهرجان – فشلت فيه بامتياز.