هاشم العامر.. صوت أفيخاي في الأردن بين تبرير الاحتلال والتحريض على المقاومة

أثار تصريح هاشم العامر، المعروف كأحد الأصوات الناشطة في إطار شبكة أفيخاي الدعائية في الأردن، جدلاً واسعاً بعد أن قلّل من خطورة إعلان رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو بشأن “إسرائيل الكبرى” وضم أجزاء من الأردن.
زعم العامر أن حديث نتنياهو مجرد “فخ للتغطية على العدوان ضد قطاع غزة والضفة الغربية”، وذلك في محاولة مفضوحة لتخفيف وقع التصريح على الرأي العام الأردني.
وقد أثارت هذه المقاربة استياءً واسعاً، إذ عكست ازدواجية لافتة: تسامح مريب مع تهديد مباشر لسيادة الأردن، يقابله تحريض متواصل ضد المقاومة الفلسطينية التي تدافع عن شعبها في غزة.
هاشم العامر ويكيبيديا
في مقاربته لم ينفِ العامر مشروع “إسرائيل الكبرى” فحسب، بل ذهب إلى تصويره كمجرد “مناورة إعلامية”، وكأن تصريحات نتنياهو لا تعكس عقيدة سياسية متجذرة في الفكر الصهيوني.
هذا الإنكار يتماهى تماماً مع أجندة الاحتلال، التي تسعى دوماً إلى صرف الأنظار عن جوهر المشروع التوسعي وتحويل الأنظار إلى “المقاومة” باعتبارها الخطر الحقيقي.
وبالمقابل، حين وجّهت قيادة المقاومة الفلسطينية نداءً إلى الأردنيين للتحرك تضامناً مع غزة ووقف المجازر، شنّ العامر ومعه “جوقة الذباب الإلكتروني” حملةً شعواء من الشتائم والاتهامات، واعتبروا النداء “تدخلاً في الشأن الأردني”.
المفارقة هنا صارخة: تهديد صريح من نتنياهو باحتلال أجزاء من الأردن يُختزل إلى “خلاف عائلي”، أما دعوة أخوية من مقاوم فلسطيني فهي “جريمة تستوجب التحريض”.
شبكة أفيخاي في الأردن
يعكس هذا السلوك حالة جبن سياسي واضحة. فالعامر وأمثاله لا يجرؤون على مواجهة نتنياهو أو فضح مشروعه التوسعي، لأنهم في نهاية المطاف مجرد أدوات ضمن شبكة أفيخاي، هدفها تبييض صورة الاحتلال وتوجيه السهام نحو المقاومة.
وهم يدركون أن مهاجمة الاحتلال تكسر الخطوط الحمراء التي وضعها “سيدهم”، بينما مهاجمة المقاومة تفتح أمامهم أبواب التمويل والدعم والحماية.
ويرى مراقبون أن اختزال تصريحات نتنياهو، التي تُهدد الأمن القومي الأردني مباشرة، إلى مجرد “فخ إعلامي” يكشف أن هؤلاء أكثر حرصاً على راحة الاحتلال من مصلحة بلدهم.
وفي المقابل، تراهم يتحمسون للتهجم على أي صوت عربي يطالب بالدفاع عن فلسطين، لأن ذلك يتماشى مع أجندة أفيخاي الإعلامية: ضرب صورة المقاومة وتشويهها.
اللعب على وتر “السيادة الأردنية”
من أكثر ما يثير الاستغراب أن العامر ومن يدور في فلكه يتذرعون دائماً بشعار “عدم التدخل في الشأن الأردني”، حين يتعلق الأمر بمقاوم فلسطيني أو ناشط عربي يطالب بدعم غزة. لكن هذا الشعار لا يُرفع حين يتحدث نتنياهو عن مشروع يهدد حدود الأردن وأرضه وسيادته بشكل مباشر.
إنها ازدواجية مقصودة، تهدف إلى شيطنة المقاومة الفلسطينية وتحويلها إلى “طرف متطفل”، بينما يُقدَّم الاحتلال كجارٍ “مزعج” لكن يمكن التفاهم معه. هذه المقاربة، إن قُبلت، تُضعف الجبهة الداخلية الأردنية وتفصلها عن عمقها الفلسطيني، وهو هدف استراتيجي لإسرائيل.
ومعروف أن شبكة أفيخاي لا تخوض معركة سياسية فحسب، بل تخوض حرباً نفسية على وعي الشعوب. ومن خلال أصوات مثل العامر، يتم تصدير خطاب مزدوج: تهوين من التهديدات الإسرائيلية، وتضخيم لما يسمونه “خطر المقاومة”.
هذا الخطاب يستهدف بالأساس إضعاف الإرادة الشعبية في الأردن وفلسطين معاً، عبر إقناع الناس بأن العدو الحقيقي ليس الاحتلال الذي يقتل ويحتل، بل المقاومة التي “تتدخل” أو “تجر المنطقة إلى صراع”. إنها استراتيجية قديمة في البروباغندا الاستعمارية: إلقاء اللوم على الضحية بدل الجلاد.
لكن ورغم الضخ الإعلامي لشبكة أفيخاي، فإن الرأي العام الأردني أظهر وعياً متقدماً في التعامل مع هذه الحملات. فقد قوبلت تصريحات العامر بموجة انتقادات واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي، اعتبرته صوتاً مأجوراً للاحتلال و”بوقاً يروّج لخطابه تحت غطاء وطني زائف”.
وهذا الرفض الشعبي يعكس أن الأردنيين، بحكم موقعهم وتاريخهم، يدركون أن التهديد الإسرائيلي ليس وهماً بل مشروعاً قائماً منذ عقود، وأن التنكر للمقاومة لا يخدم إلا الاحتلال.
وجدير بالملاحظة أن تصريحات العامر الأخيرة لم تكن مجرد اجتهاد فردي، بل تندرج ضمن وظيفة محددة لشبكة أفيخاي: مهاجمة المقاومة الفلسطينية وتشويهها في العواصم العربية. هذه الشبكة تعمل على اختراق الخطاب المحلي، من خلال أصوات تبدو “وطنية”، لكنها في الحقيقة أذرع ناعمة للاحتلال.
وإن التركيز على مهاجمة قيادات المقاومة واتهامهم بـ”التدخل” في الشؤون الداخلية، فيما يتم تبرير أو تجاهل الاحتلال، يكشف طبيعة هذا الدور الوظيفي: إفراغ القضية الفلسطينية من مضمونها وتحويلها إلى عبء إقليمي.
كما أن الخطر في مثل هذا الخطاب ليس في التصريح بحد ذاته، بل في ما يكرسه من مناخ سياسي. حين يصبح من الطبيعي التساهل مع تهديد احتلال الأردن واعتباره مجرد “فخ”، بينما يُجرّم أي صوت يطالب بالتحرك ضد الإبادة، فهذا يعني أن شبكة أفيخاي نجحت في اختراق الأولويات.