معالجات اخبارية

شبكة “أفيخاي” تنتقل إلى المرحلة الأخطر: التحريض العلني على الفتنة

برز على مدار اليومين الماضيين انتقال شبكة “أفيخاي” نسبة للناطق باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى المرحلة الأخطر من خلال التحريض العلني على الفتنة الداخلية خدمة للاحتلال.

ففي مشهد يكشف عن تصعيد خطير في أداء ما بات يُعرف بـ”شبكة أفيخاي”، أطلق أحد أبرز أعضائها، يحيى هشام سالم، دعوة علنية يمكن وصفها بأنها تحريض صريح على الاقتتال الداخلي في قطاع غزة، حين كتب: “هي السلطة وفتح بتستنى حد يسلمها قطاع غزة على طبق من حرير بدون ولا طلقة أو بدون أي قرار جرئي منها”.

هذه العبارة، في ظاهرها نقد للسلطة الفلسطينية، لكن في مضمونها دعوة مبطّنة أو حتى مباشرة إلى المواجهة المسلحة الداخلية، وهو أمر لا يمكن فصله عن سياق العدوان الإسرائيلي المتواصل ومحاولات تل أبيب تفكيك الجبهة الداخلية الفلسطينية بكل الوسائل.

ما يدعو للقلق أكثر أن هذه التصريحات لم تأت من فراغ، بل تزامنت مع احتفاء ملحوظ من قبل أفراد في هذه الشبكة بإعلان ياسر أبو جيش – الخارج عن القانون – عن تشكيل ميليشيات تحت غطاء “مكافحة الإرهاب”، وهو المصطلح الذي طالما استخدمه الاحتلال لتبرير اغتيالاته وقصفه للمقاومة.

الفتنة بوصفها مشروعًا متكاملًا

التحريض على الفتنة لم يعد جزءًا هامشيًا في خطاب شبكة “أفيخاي”؛ بل تحوّل إلى محور رئيسي في سرديتهم الجديدة.

فبعد شهور من فشل الاحتلال في فرض الاستسلام على غزة عسكريًا، وأمام تماسك المقاومة وصمود المجتمع رغم المجازر، انتقلت أدوات الحرب النفسية إلى خيار الفتنة، محاولة استثمار كل خلاف سياسي أو فصائلي لتحويله إلى صدام داخلي.

ويرى مراقبون أن تصريح يحيى هشام سالم لا يحمل فقط أمنية بحدوث انقلاب داخلي، بل يُسوّق لفكرة أن الحل الوحيد هو تسليم غزة للسلطة الفلسطينية بـ”دون ولا طلقة”، في مقابل تحميل المقاومة مسؤولية استمرار الحرب.

وهذا بالضبط هو جوهر ما تسعى دولة الاحتلال الإسرائيلي لزرعه: تحويل مشاعر الغضب الشعبي الناتجة عن المعاناة إلى مواجهة داخلية تنهي ما لم تستطع الدبابات إنهاءه.

“أفيخاي”… شبكة تطبيع وعمالة

شبكة “أفيخاي” – التي باتت تُعرف بهذا الاسم نسبة للناطق باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي – لا تُخفي تبنيها الكامل للرواية الإسرائيلية، بل تتطوّع لترويجها وتجميل صورتها باللغة العربية، موجهة خطابها إلى الجمهور الفلسطيني.

وأعضاء هذه الشبكة ليسوا مجرد “مدونين”، بل أدوات ناعمة لحرب الاحتلال الإعلامية، ومهمتهم تتراوح بين التشويه، والتضليل، والتشكيك في المقاومة، وصولًا إلى التحريض الصريح على سفك الدم الفلسطيني.

وفي هذا السياق، فإن الاحتفاء بتشكيل ميليشيات خارج الإطار الوطني تحت شعار زائف كمكافحة الإرهاب، ليس إلا ترويجًا لنموذج “الفتنة المنظمة”، أي صراع أهلي تتغذى عليه إسرائيل وتستثمر فيه. هؤلاء لا يسعون فقط إلى الانقسام، بل إلى تسليح الانقسام وتحويله إلى مشروع دموي.

الاحتلال المستفيد الأول

تاريخ الاحتلال الإسرائيلي مع الفتن الداخلية الفلسطينية ليس جديدًا، بل ممتد منذ سنوات طويلة، بدءًا من دعم المليشيات العميلة خلال الانتفاضات، مرورًا بترويج الصراعات الفصائلية، وليس انتهاءً بمحاولة خلق “نخب بديلة” تروّج للتطبيع وتبرّر قمع المقاومة.

وكلما عجزت آلة الحرب عن تحقيق أهدافها بالقوة، تلجأ المؤسسة الأمنية الإسرائيلية إلى أدواتها “المدنية” لخلخلة المجتمع الفلسطيني من الداخل.

ومن هنا نفهم لماذا تحظى شخصيات مثل ياسر أبو جيش أو يحيى هشام سالم بهذا الزخم الإعلامي ضمن المنصات المرتبطة بالاحتلال. فالمطلوب الآن هو أن يظهر “الصراع الداخلي” كأنه قدر فلسطيني، وأن تُصوَّر المقاومة لا بوصفها حامية للشعب، بل كعبء على من بقي حيًّا.

مسؤولية وطنية في مواجهة التحريض

يؤكد المراقبون أن ما تقوم به شبكة “أفيخاي” وأمثالها ليس حرية تعبير، بل تحريض مباشر، بلغة مدروسة، على الاقتتال الأهلي، وهو أمر يُجرّم قانونيًا وأخلاقيًا. ومن هنا تبرز الحاجة إلى موقف وطني موحّد – من كل القوى والمؤسسات والشرائح المجتمعية – لفضح هذه الأدوات ومواجهتها.

وبحسب المراقبين فإن التهاون مع هذا الخطاب أو اعتباره “مجرد رأي سياسي” يعني القبول بسيناريو الحرب الأهلية.

وينبغي أن تُواجَه هذه الشبكة بالفضح المستمر، والتعرية الكاملة لخلفياتها وأهدافها، وقطع الطريق أمامها كي لا تتغلغل في البيئة الفلسطينية المنهكة أصلًا من الاحتلال والحصار والمجازر.

الإعلام المقاوم في موقع الدفاع

في مقابل الهجوم الممنهج الذي تقوده شبكات مثل “أفيخاي”، تبدو المنصات الإعلامية المقاومة في موقع دفاعي، إما لانشغالها بتغطية المجازر، أو لحجم الدمار الذي طال بنيتها.

ورغم الجهود الكبيرة التي تُبذل، إلا أن حالة الفراغ الإعلامي التي تحدث أحيانًا تُستغل بسهولة من قبل هؤلاء الذين يحاولون تمرير خطاب الاحتلال من داخل المجتمع الفلسطيني.

هنا تقع مسؤولية مضاعفة على النشطاء المستقلين، وعلى وسائل الإعلام الحرة، لكسر هيمنة رواية “أفيخاي” وفضحها بالأدلة، ورفع الصوت في وجه محاولات تغليف العمالة بلغة وطنية زائفة.

إذ مع تعثر الاحتلال في الميدان، ازداد اعتماده على أدوات “التفتيت من الداخل”، ومنها شبكة “أفيخاي” التي باتت تسعى جهارًا إلى تهيئة الأرض لاقتتال فلسطيني داخلي.

والتحدي اليوم لا يقتصر على مواجهة الاحتلال في الميدان، بل في كبح أذرعه الإعلامية التي تحاول كسب عقول الفلسطينيين وإشعال نار في صدورهم ضد بعضهم البعض. ووعي هذه المعركة شرط أساسي للنجاة من الفتنة، والحفاظ على البوصلة الموجّهة نحو العدو الحقيقي: الاحتلال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى