شبكة جسور نيوز تواصل حملة تأليب الرأي العام الفلسطيني ضد المقاومة

في الوقت الذي يعيش فيه الفلسطينيون في قطاع غزة تحت وطأة القصف الإسرائيلي والحصار الخانق، تصاعدت حملة إعلامية ممنهجة تقودها شبكة جسور نيوز الممولة إماراتياً، بهدف ضرب الجبهة الداخلية الفلسطينية وتشويه صورة المقاومة.
وتكشف متابعة نشاط الشبكة عن اعتمادها على استطلاعات مزيفة ومجهولة المصدر، إضافة إلى إنتاج مقاطع فيديو مفبركة تهدف إلى إظهار معارضة شعبية واسعة للمقاومة داخل القطاع، في محاولة لتكريس رواية سياسية منسجمة مع أجندات إقليمية ودولية.
استطلاعات بلا مصدر
من بين الأدوات التي تروّج لها الشبكة، نشرها بشكل متكرر لما تسميه “نتائج استطلاعات للرأي” حول مستقبل الحكم في غزة، تحمل أرقاماً غير متسقة مع الواقع الميداني أو المزاج الشعبي الفلسطيني.
ففي أحدث تقاريرها، زعمت “جسور نيوز” أن:
أقل من 4% من الفلسطينيين يريدون بقاء حركة حماس في الحكم.
92% يحمّلون الحركة مسؤولية الأزمة في غزة، في مقابل 93% يحمّلون دولة الاحتلال المسؤولية المباشرة.
35% يفضلون عودة السلطة الفلسطينية لإدارة القطاع.
27% يفضلون صيغة “ائتلاف دولي انتقالي” مع مشاركة العائلات المحلية في الحكم.
لكن هذه الأرقام لم تصدر عن أي مؤسسة بحثية فلسطينية أو دولية معروفة. ولم يجرِ الكشف عن حجم العينة، أو منهجية جمع البيانات، ما يجعلها أداة دعائية أكثر من كونها أداة علمية.
ويرى خبراء إعلام أن الهدف من نشر هذه الأرقام هو خلق انطباع زائف بوجود رفض شعبي شامل للمقاومة، وبالتالي تعزيز الضغوط السياسية والأمنية عليها.
مقاطع فيديو مفبركة
إلى جانب الاستطلاعات، تعتمد الشبكة على مقاطع فيديو يدّعى أنها صُوّرت داخل غزة، تُظهر مواطنين يوجّهون انتقادات لاذعة للمقاومة ويتهمونها بالمسؤولية عن الأوضاع الإنسانية المتدهورة.
لكن التحقيقات الإعلامية المستقلة كشفت أن جزءاً من هذه المقاطع تم تصويره بمقابل مبالغ مالية، أو جرى تركيب أصوات على صور قديمة.
وأفادت مصادر محلية أن الشبكة تقوم بتمويل مرتزقة إعلاميين يتولون إنتاج هذه المواد لتبدو “شهادات حية”، في حين أنها تفتقر إلى أدنى درجات المصداقية.
ويرى مراقبون أن هذه الأساليب تنسجم مع محاولات قديمة لـ الهجوم على المقاومة عبر بوابة “الشارع الغزي”، وتصدير صورة للرأي العام الدولي بأن الفلسطينيين أنفسهم يرفضونها، وهو ما يتماشى مع الدعاية الإسرائيلية الرسمية.
شبكة جسور نيوز ويكيبيديا
توقيت هذه الحملة ليس معزولاً عن السياق السياسي الإقليمي. فالإمارات التي تموّل الشبكة تُتهم منذ سنوات بتبني خطاب عدائي تجاه حركات المقاومة الفلسطينية، والتقارب المتزايد مع إسرائيل في المجالات الأمنية والاقتصادية.
ويشير محللون إلى أن الاستثمار في منصات مثل “جسور نيوز” يهدف إلى:
ترويج رواية متطابقة مع الموقف الإسرائيلي بأن المقاومة سبب الأزمة.
إضعاف الموقف الفلسطيني الموحد في مواجهة الاحتلال، عبر تغذية الانقسامات الداخلية.
تهيئة الأرضية لمشاريع سياسية بديلة في غزة، مثل عودة السلطة الفلسطينية أو طرح صيغ حكم دولية انتقالية.
وبحسب خبراء الإعلام السياسي، فإن “جسور نيوز” تمثل نموذجاً واضحاً لـ استخدام الإعلام كسلاح في الحروب النفسية. إذ لا تستهدف رسائلها الجمهور الفلسطيني الداخلي فحسب، بل تخاطب أيضاً الرأي العام العربي والدولي، لإقناعه بأن المقاومة فقدت شرعيتها الشعبية وإضعاف الروح المعنوية للفلسطينيين.
كما تستهدف الشبكة تعزيز القبول لخطط إقصاء المقاومة عن أي ترتيبات مستقبلية، وإعادة صياغة الأولويات بحيث يصبح الاحتلال الإسرائيلي طرفاً ثانوياً في الأزمة، فيما تُحمَّل المقاومة المسؤولية المباشرة.
ولطالما قوبلت تقارير الشبكة بموجة تشكيك واسعة في الداخل الفلسطيني. ويعتبر كثير من الناشطين والصحفيين المحليين أن الأرقام المعلنة منافية للمنطق، خاصة أن غزة، رغم الكارثة الإنسانية، تشهد تعاطفاً شعبياً متواصلاً مع المقاومة باعتبارها الجهة الوحيدة التي تواجه الاحتلال.
ويشير هؤلاء إلى أن تحميل أكثر من 90% من الفلسطينيين لحماس مسؤولية الأزمة، كما تزعم الشبكة، يتجاهل الحقائق الواضحة: القصف المستمر، الحصار الممتد منذ سنوات، والتدمير الممنهج للبنية التحتية على يد الجيش الإسرائيلي.
وأكثر ما يثير الجدل هو أن روايات الشبكة تكاد تتطابق مع خطاب الدعاية الإسرائيلية الرسمية، التي تبرر الحرب على غزة بأنها “موجهة ضد حماس فقط”، فيما تُبرئ دولة الاحتلال من مسؤولية الكارثة الإنسانية.
ويرى باحثون أن تلاقي خطاب جسور نيوز مع الرواية الإسرائيلية يثير أسئلة جدية حول الدور الذي تلعبه بعض المنصات العربية في خدمة أهداف الاحتلال، إما بشكل مباشر أو عبر الترويج لمحتوى يضعف الجبهة الداخلية الفلسطينية.