استمرار الاعتقالات السياسية في الضفة يعكس خدمة السلطة لنهج التنسيق الأمني

تستمر أجهزة أمن السلطة الفلسطينية في تنفيذ حملات اعتقال سياسية موسعة تستهدف نشطاء وأسرى محررين وأفراد المجتمع المدني، ضمن ما يبدو انه خدمة لنهج التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي، ما يثير قلقًا واسعًا حول الوضع الحقوقي في الضفة الغربية وانتهاك الحريات العامة.
وقد أعربت لجنة أهالي المعتقلين السياسيين عن استنكارها الشديد لهذه الحملات التي شملت مختلف محافظات الضفة الغربية، مؤكدةً أن الاعتقالات تمثل انتهاكًا صريحًا للقوانين الفلسطينية وللحقوق والحريات المكفولة بموجب القانون الأساسي.
ولفتت اللجنة في بيان رسمي إلى أن الاعتقالات الأخيرة طالت عددًا من الأسرى المحررين والنشطاء، ما يضع تساؤلات حول خلفيات هذه الإجراءات وأهدافها السياسية.
وأشارت اللجنة إلى الحالة الخاصة للأسير المحرر مصعب قوزح من طولكرم، الذي مددت محكمة السلطة اعتقاله لمدة خمسة عشر يومًا رغم الإفراج عنه حديثًا ضمن صفقة تبادل الأسرى، مع معاناته من أمراض مزمنة تجعله غير قادر على الوقوف لفترات طويلة.
وحملت اللجنة أجهزة السلطة المسؤولية الكاملة عن حياته وسلامته الصحية، معتبرة تمديد اعتقاله مخالفة صريحة للقانون ولحقوق الإنسان.
كما شملت الاعتقالات الأخيرة كلاً من الأسير المحرر الصحفي فتحي اتكيدك من الخليل، والمحرر إبراهيم البطاط الذي اعتُقل بعد تعرضه للاعتداء أمام منزل عائلة زوجته.
وكذلك الأستاذ ثامر سباعنة من جنين، والأسير المحرر أحمد أبو غضيب (57 عامًا) الذي تم تمديد اعتقاله بعد اعتداء جسدي خلال توقيفه، إضافة إلى الشابين أحمد علاء بني عودة وعناد التركمان اللذين تعرضا للضرب المبرح أثناء اعتقالهما.
الاعتقالات السياسية في الضفة الغربية
أدانت اللجنة بشدة حملة الاعتقالات التي شهدتها بلدتا طمون في قضاء طوباس وبلدة نعلين غرب رام الله، والتي جاءت على خلفية رفع رايات حركة حماس احتفالًا بصفقة تبادل الأسرى.
واعتبرت أن هذه الممارسات تمثل انتهاكًا صارخًا لحرية الرأي والتعبير والانتماء السياسي، مؤكدًا أن التساوق مع ممارسات الاحتلال الإسرائيلي في مصادرة الرايات والاعتقالات يعكس سياسة قمع ممنهجة تستهدف المواطنين الفلسطينيين بدلًا من حمايتهم ودعم صمودهم.
وأضافت اللجنة أن استمرار هذه الممارسات يضر بالنسيج الوطني والاجتماعي ويقوض روح الوحدة الوطنية، مطالبة بوقف جميع الاعتقالات السياسية فورًا والإفراج عن كافة الموقوفين على خلفية الرأي أو الانتماء السياسي.
ودعت اللجنة مؤسسات حقوق الإنسان إلى متابعة هذه الانتهاكات والضغط على أجهزة السلطة لإنهاء ملف الاعتقال السياسي.
وتشير البيانات الرسمية للجنة إلى أن عدد المعتقلين السياسيين في سجون أجهزة أمن السلطة يتجاوز 160 معتقلًا، بينهم أسرى محررون مضى على اعتقال بعضهم أكثر من عام، رغم صدور قرارات قضائية بالإفراج عنهم.
كما رصدت اللجنة تصاعدًا ملحوظًا لحملات الاعتقال في الأشهر الأخيرة، مستهدفة محافظات جنين وطوباس وطولكرم ونابلس، خصوصًا الأسرى المحررين والطلبة والنشطاء، معظمهم دون أوامر قضائية، وبعضهم سبق أن تعرض للاعتقال من قبل الاحتلال.
وتضيف اللجنة أن التهم الموجهة للمعتقلين غالبًا سياسية، مثل “إثارة النعرات الطائفية” أو “الانتماء لتنظيم محظور”، وتُستخدم كغطاء لتبرير ملاحقة المعارضين السياسيين والنشطاء، فيما وثقت حالات تعذيب وسوء معاملة داخل السجون، إضافة إلى تفشي مرض الجرب بسبب غياب النظافة وحرمان الأهالي من الزيارة، ما يزيد من معاناة المعتقلين وذويهم.
وفي سياق متصل، اعتقلت أجهزة أمن السلطة المعلم سالم الجياوي من بلدة إذنا غربي الخليل، بعد أيام من رفعه قضية ضد بلدية البلدة بسبب أضرار لحقت بمنزله نتيجة مشروع شارع جديد.
كما اعتُقل شقيقه مدير المدرسة، بعد أن وجها مناشدات لموظفي البلدية دون استجابة. وقد يرتبط اعتقال الجياوي بمواقفه النقدية تجاه سياسات السلطة، خاصة فيما يتعلق بحقوق المعلمين ومخالفات المستوطنين.
في السياق ذاته اختطفت عناصر من أجهزة السلطة الناشط والصحفي جاد قدومي من مقر عمله في رام الله، واقتادته إلى جهة مجهولة، ما أثار حالة واسعة من الغضب والاستياء في المجتمع المحلي.
وقد اشتهر قدومي بدعمه لمقاومة الاحتلال وانتقاده المستمر لمسار التسوية، وتخصيص منصاته على مواقع التواصل الاجتماعي لتغطية المجازر الإسرائيلية في قطاع غزة منذ أكتوبر 2023، ما يشير إلى أن استهدافه مرتبط بمواقفه السياسية.
وإن هذه الاعتقالات المستمرة، بحسب اللجنة، تعكس انتهاكًا صارخًا للحريات العامة وحقوق الإنسان، وتكشف عن مدى تداخل السلطة الفلسطينية مع نهج التنسيق الأمني مع الاحتلال، على حساب مصالح المواطنين الفلسطينيين ووحدة الصف الوطني.
وتؤكد اللجنة أن استمرار هذه السياسات يشكل خطرًا حقيقيًا على استقرار المجتمع الفلسطيني والنسيج الوطني والاجتماعي في الضفة الغربية، ويجعل من الضروري تدخل المجتمع الدولي ومؤسسات حقوق الإنسان لوقف هذه الممارسات فورًا.





