تحليلات واراء

اعتداءات أجهزة أمن السلطة على المواطنين تُكرّس مشروع حماية الاحتلال

في وقت تواصل فيه قوات الاحتلال الإسرائيلي عدوانها المستمر على الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتتكثف عمليات الهدم والاعتقال والتهجير، يبرز بوضوح دور أجهزة أمن السلطة الفلسطينية في ضرب المواطنين الفلسطينيين وإرهابهم، في سلوك تعسفي يثير غضبًا واسعًا، ويعزز صورة السلطة كجهاز أمني يصبُّ جل اهتمامه في حماية الاحتلال بدلاً من الدفاع عن حقوق شعبه.

وقد شهد مخيم الدهيشة اللاجئين حالة تصدٍ شعبي لعناصر من أجهزة أمن السلطة التي اعتدت بالضرب المبرح على مواطن قرب محطة وقود داخل المخيم، وفق مصادر محلية.

إذ تواجد ثلاثة من أفراد أمن السلطة في المكان، وحصلت إشكالية مع أحد المواطنين، فتلقّى الضحية ضربات عنيفة دفعته وأقاربه إلى الرد والتصدي لهم، ما أدى إلى حالة توتر أمني في الساحة الرئيسية للمخيم.

وزادت الأمور تأزمًا بعد وصول تعزيزات أمنية من السلطة، حيث أطلق عناصر الأمن النار بكثافة في الهواء لإرهاب المواطنين الذين ردّوا برشقهم بالحجارة والزجاجات الفارغة، مما يعكس حالة العنف الممنهج التي تمارسها الأجهزة الأمنية ضد أبناء شعبها.

قمع ممنهج وانتهاكات متكررة

منظمة “محامون من أجل العدالة” نددت باستمرار نهج القمع والتنكيل في تعامل السلطة مع المواطنين، مؤكدة أن هذه السياسة تشكل تهديدًا خطيرًا لحقوق الإنسان الأساسية.

وطالبت المنظمة السلطة بضرورة احترام حق المواطنين في التعبير والاحتجاج، ووقف سياسة الاعتقال التعسفي والضرب والملاحقة التي تنتهجها ضد من يعبرون عن رفضهم.

هذا السلوك يأتي في سياق عام يشهد فيه الفلسطينيون في الضفة الغربية حصارًا عسكريًا خانقًا من قبل جيش الاحتلال، مع استمرار العدوان على مدن مثل طولكرم ومخيماتها، وعمليات الهدم والتهجير التي تؤدي إلى نزوح مئات العائلات وتشريدها، ما يفاقم الأزمة الإنسانية ويزيد من معاناة السكان.

السلطة الفلسطينية: مشروع حماية أمن الاحتلال

وصف الكاتب المختص في شؤون الضفة الغربية، ياسين عز الدين، السلطة الفلسطينية بأنها انتهجت سياسة خنق المقاومة، وقدمّت بذلك أوراق اعتماد للاحتلال من خلال قمع مخيمات جنين وطولكرم ونابلس.

وأبرز عز الدين في تغريدة أن “الشيء الوحيد الذي أنجزته السلطة هو توفير الأجواء الهادئة للجيش الإسرائيلي لكي يشن عدوانه دون مقاومة تذكر”.

وأضاف عز الدين أن السلطة قضت على تشكيلات مقاومة مثل “عرين الأسود”، وضغطت على المقاومين في نابلس ومخيماتها للخروج أو تسليم أنفسهم، بذريعة “عدم إعطاء ذرائع للاحتلال”، في سلوك يكشف أن مشروع السلطة الوحيد هو الحفاظ على أمن الاحتلال على حساب أمن الشعب الفلسطيني.

واقع ميداني مأساوي: اعتقالات، اقتحامات وهدم منازل

تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي عملياتها العسكرية واعتقالاتها اليومية في الضفة الغربية، مستغلة حالة التنسيق الأمني مع السلطة لتشديد قبضتها على الأراضي والمواطنين.

فقد اقتحمت قوات الاحتلال مدنًا وقرى مثل كفر اللبد وباقة الشرقية وزيتا، وأجبرت السكان على إخلاء منازلهم لتحويلها إلى ثكنات عسكرية.

ورغم انتقادات وزراء في حكومة نتنياهو، مثل إيتمار بن غفير وأيليت شاكيد، وتهديداتهم المستمرة بإلغاء السلطة الفلسطينية، إلا أن ضباطًا كبارًا في الجيش الإسرائيلي أكدوا أن هناك تعليمات واضحة بالتعاون مع السلطة والحفاظ عليها، لاعتبارات أمنية واستراتيجية.

هذا التناقض يضع السلطة في موقع الحليف الاستراتيجي للاحتلال، ما يفسر التسهيلات التي تحصل عليها في قمع الشعب الفلسطيني، مقابل مواصلة الاحتلال سياسة التوسع الاستيطاني والاعتداء على المقدسات الإسلامية في المسجد الأقصى، تحت غطاء “حرب غزة”.

التهويد وتهديد الهوية الفلسطينية

في ظل هذه الأجواء، يواصل وزراء الاحتلال سياسة التهويد التي تستهدف تغيير الواقع الديمغرافي والجغرافي في الضفة الغربية، خصوصًا من خلال تحويل البؤر الاستيطانية إلى مستوطنات معترف بها رسمياً، مما يؤدي إلى تهجير الفلسطينيين من أراضيهم وتقويض حقهم في العودة.

وفي المسجد الأقصى، يشهد الواقع تغيرات حاسمة، حيث تُسمح بصلوات يهودية متزايدة في باحات المسجد، في تحد واضح للمشاعر الدينية الفلسطينية، ما يعكس توجهًا ممنهجًا لطمس الهوية الإسلامية والمسيحية في القدس.

وفي هذا الواقع تشكل الاعتداءات الأمنية التي تمارسها السلطة الفلسطينية ضد المواطنين الفلسطينيين حلقة مكملة لسياسات الاحتلال الهادفة إلى كسر إرادة الشعب الفلسطيني وتجويعه وتشريده.

هذه السياسات التي تتخذ شكل اعتقالات تعسفية، ضرب مبرح، ملاحقة سياسية، وتهجير قسري، تؤكد أن السلطة باتت كيانًا أمنيًا لحماية الاحتلال، متخليًا عن دوره الأساسي في الدفاع عن حقوق شعبه.

في ظل هذه المعطيات، تبقى المسألة الأكثر إلحاحًا هي التوقف عن هذا الانزلاق الذي لا يضر إلا بالقضية الفلسطينية ومصير شعبها، وبات من الضروري إعادة بناء مؤسسات فلسطينية تخدم شعبها لا أن تخونه، وتحمي مقاومته لا أن تسلمه للاحتلال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى