تحليلات واراء

قناة “عودة”.. منبر فتح للتحريض على المقاومة وضرب الجبهة الداخلية في غزة

تكرّس قناة “عودة” الفضائية، الذراع الإعلامية لحركة فتح التي تبث من خارج فلسطين، خطاباً إعلامياً مشحوناً ضد الفصائل الفلسطينية، وعلى نحو خاص ضد حركات المقاومة في قطاع غزة.

ويكشف المحتوى الإعلامي للقناة عن وظيفة سياسية محددة: التحريض الرخيص على المقاومة، وتشويه صورتها، والدفع نحو إضعاف الحاضنة الشعبية لها، ضمن خطط أوسع لضرب الجبهة الداخلية في غزة.

منبر حزبي بغطاء وطني مزيف

تأسست قناة «عودة» لتكون لسان حال حركة فتح، وهي تقدم برامج إخبارية وحوارية، وتغطي مناسبات وطنية وثقافية فلسطينية، لكن سرعان ما تحوّل خطها التحريري إلى منصة للهجوم على خصوم فتح السياسيين، خصوصاً حركة حماس وفصائل المقاومة الأخرى في غزة.

تتسم القناة بنبرة دعائية حادة، حيث توظف أخبارها وبرامجها الحوارية والتقارير المصوّرة لصناعة سردية تتهم المقاومة بجرّ غزة إلى الحروب والدمار والحصار، وتحمّلها وحدها مسؤولية الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعاني منها السكان.

وبهذه الطريقة، يجري حرف الأنظار عن المسؤولية الحقيقية للاحتلال الإسرائيلي وحصاره المتواصل للقطاع منذ نحو 18 عاماً.

أجندة التحريض… تشويه المقاومة

لا يقتصر خطاب قناة “عودة” على انتقاد سياسات حماس كحركة سياسية تدير القطاع، بل يتعدى ذلك إلى تحريض فجّ على المقاومة المسلحة كخيار وطني.

إذ تصوّر القناة فصائل المقاومة، وفي مقدمتها كتائب القسام وسرايا القدس وألوية الناصر صلاح الدين، بأنها مليشيات مسلّحة تتسبب بمعاناة الفلسطينيين، وتفتعل الأزمات لتحقيق “أجندات خارجية”.

في هذا الإطار، كثيراً ما تستضيف القناة ضيوفاً محسوبين على حركة فتح أو مقرّبين من الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية، يشنّون هجوماً قاسياً على المقاومة، ويصفونها بـ”سلطة الأمر الواقع” التي تختطف غزة، ويحملونها مسؤولية الحصار والدمار، متجاهلين حقيقة الاحتلال المستمر والاعتداءات الإسرائيلية اليومية.

حتى في أوقات العدوان الإسرائيلي على القطاع، تواصل قناة “عودة” خطابها المحمّل بالتحريض، إذ تكرّر مقولة أن المقاومة “تورّط غزة” وتستدرج الحروب، دون أن تخصّص مساحة كافية لإظهار جرائم الاحتلال أو إبراز صمود الأهالي في وجه العدوان.

مخاطبة الجبهة الداخلية… سلاح نفسي

أخطر ما في خطاب قناة “عودة” أنه لا يكتفي بتسجيل موقف سياسي ضد حماس، بل يوجّه سهاماً مباشرة نحو الجبهة الداخلية في غزة.

إذ تسعى القناة إلى بث مشاعر السخط والاحتقان الشعبي ضد المقاومة، عبر تضخيم الأزمات المعيشية، والحديث المستمر عن الانقسامات الداخلية، وتصوير حماس كطرف معزول يواجه رفضاً شعبياً.

وقد ظهرت هذه الاستراتيجية بوضوح خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، حيث ركّزت القناة على عرض مقابلات مع مواطنين يعبّرون عن تذمّرهم من استمرار الحرب والقصف، مع الإيحاء بأن المقاومة فاقدة للتأييد الشعبي.

بل أظهرت القناة تقارير تتحدّث عن أن “الأهالي يريدون الحياة” في مقابل “استمرار المقاومة في إطلاق الصواريخ”، في محاولة لبث انطباع أن المقاومة لا تحظى بتأييد شعبي.

هذا الخطاب الإعلامي ينسجم مع سياق أوسع لمحاولات ضرب الجبهة الداخلية الفلسطينية في غزة، وهو يتقاطع مع ما تريده دولة الاحتلال الإسرائيلي بالضبط: إحداث فجوة بين المقاومة والناس، والتشكيك بجدوى خيار المقاومة المسلحة.

إعادة إنتاج الرواية الأمنية للسلطة

من اللافت أيضاً أن محتوى قناة “عودة” يروّج لرواية الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية، التي ترى في المقاومة “خطراً أمنياً”.

وتتكرر على شاشة عودة مصطلحات مثل الانقسام والشرعية، وحكم الأمر الواقع لوصف حماس وفصائل المقاومة، فيما تُقدَّم قيادة السلطة الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني.

اللافت أن القناة تتجاهل أي أصوات نقدية داخل حركة فتح أو داخل السلطة نفسها، ما يؤكد أنها لا تتحرك إلا ضمن هوامش الموقف الرسمي للقيادة في رام الله.

من التحريض إلى التشويش السياسي

خطورة قناة عودة لا تقتصر على كونها وسيلة إعلامية حزبية، بل لأنها أصبحت أداة تُستخدم في سياق أوسع من محاولات التشويش على المشروع الوطني الفلسطيني.

إذ تسهم في إضعاف روح الصمود لدى الفلسطينيين، وتبث رسائل تُحمّل المقاومة وزر أزمات معيشية واجتماعية سببها الاحتلال والحصار.

كما توظف القناة ملفات الفساد والأزمة الاقتصادية في غزة كسلاح ضد المقاومة، دون أن تتطرق إلى أزمات مشابهة في الضفة الغربية أو إلى قمع الحريات هناك، في ازدواجية صارخة تكشف أن القناة أداة سياسية وليست إعلامية مهنية.

وفي المحصّلة، أصبحت قناة عودة مثالاً صارخاً على توظيف الإعلام الفلسطيني في الصراعات الداخلية، بدل توحيد الجبهة الوطنية في مواجهة الاحتلال. وبقدر ما تدّعي القناة حرصها على “الوطنية”، فإن محتواها يعمّق الانقسام، ويقدّم خدمة مجانية للاحتلال الذي يسعى منذ سنوات لفصل غزة عن محيطها الوطني والسياسي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى