أحمد حلس والتحريض على المقاومة: مزايدة سياسية على حساب المعاناة الإنسانية

في خضم واحدة من أشد مراحل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، يبرز اسم أحمد حلس كأحد الأصوات الفلسطينية المثيرة للجدل، لا بسبب مواقف وطنية أو إنجازات إغاثية أو سياسية، بل عبر تصريحاته المتكررة التي تُستخدم كأداة طعن في خاصرة المقاومة الفلسطينية، وتصبّ في صالح آلة الدعاية الإسرائيلية، في وقت أحوج ما يكون فيه الشعب الفلسطيني إلى التماسك الداخلي.
ظهر حلس، وهو ضابط في جهاز المخابرات العامة الفلسطينية، في منشورات مطولة على حساباته الرسمية ليحمّل المقاومة مسؤولية ما يتعرض له المدنيون في غزة، متهماً إياها بـ”المتاجرة بدماء الأبرياء” و”اختطاف القرار الفلسطيني”، ومطالباً، بشكل غير مباشر، باستسلامها وانسحابها من المشهد.
وهي دعوات تكرّر، دون خجل، ما تسعى دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى تكريسه منذ بداية حرب الإبادة على غزة: ضرب شرعية المقاومة وإظهارها كعبء على الشعب، لا درعًا له.
تحريض يتناغم مع الرواية الإسرائيلية
لم يكن مضمون منشورات أحمد حلس بريئًا أو نابعًا من حرص على أرواح المدنيين كما يدّعي، بل تماهى بشكل مفضوح مع الخطاب الدعائي لجيش الاحتلال الإسرائيلي.
فمنذ اللحظة الأولى، حرصت تل أبيب على بثّ رواية تحمّل المقاومة مسؤولية المجازر، وتدّعي أن استمرار الحرب يعود إلى “تعنت حماس”، بينما يتجاهل هذا الخطاب المتواطئ أن دولة الاحتلال رفضت مبادرات التهدئة أو تبادل الأسرى، وتعمّدت نسف كل مسار سياسي بهدف فرض استسلام كامل على الفلسطينيين.
ما يلفت النظر هو أن حلس لا يوجّه أي انتقاد صريح أو ملموس للعدو الإسرائيلي، بل يتفرغ للقدح في فصائل المقاومة، وفي مقدمتها حركة حماس، ما يجعل منه أداة مثالية في يد ماكينة التشويه الإعلامي التي تقودها دوائر الاحتلال ومؤيدوها.
وفي الوقت الذي يطالب فيه الاحتلال باستسلام المقاومة، يتبنى حلس نفس الرؤية، وإنْ بصيغة فلسطينية، بحجة “الحفاظ على أرواح الأبرياء”.
فساد مالي وتضليل إعلامي
بعيدًا عن خطابه السياسي، تحوم حول أحمد حلس شبهات مالية خطيرة. فقد كشفت تقارير عن تورّطه في اختلاس تبرعات موجهة لأهالي غزة.
ووفق معلومات موثوقة، تسلم حلس مبلغًا يُقدَّر بـ30 ألف دولار من سيدة مغربية مقيمة في بروكسل، كان من المفترض أن يوزعه على الأسر المتضررة في غزة.
غير أنه ادّعى أن السلطات المصرية صادرت الأموال، رغم ثبوت وصولها إلى حسابه الشخصي في بنك “أبو ظبي الإسلامي”. هذه الواقعة تطرح تساؤلات حول نزاهته ومدى استغلاله للظروف الإنسانية لتحقيق مكاسب شخصية.
وبالإضافة إلى ذلك، يترأس حلس “المعهد الوطني للبيئة والتنمية (NIED)”، وهو كيان غامض لم يسجل أي نشاط يُذكر منذ تأسيسه عام 2015، ما يدفع إلى الاعتقاد بأنه مجرد واجهة استخباراتية تُستخدم لتسهيل التمويل وتبرير التنقلات، لا سيما أن المعهد مسجل كشركة مساهمة لا كمنظمة خيرية أو مدنية.
من غزة إلى الرفاهية: ازدواجية الخطاب والمكان
في أبريل 2024، وبعد أسابيع من بدء الحرب، غادر حلس قطاع غزة متوجهاً إلى مصر، حيث يقيم اليوم في مناطق راقية مثل “مدينتي” و”الشيخ زايد”، بينما يزعم في منشوراته أنه يعيش المعاناة اليومية لأهالي القطاع.
بل إنه يطلب ممن يلتقونه في مصر عدم نشر صور له أو الإشارة إلى مكان إقامته الحقيقي، في سلوك يعكس محاولة واعية لتضليل الرأي العام والإيحاء ببطولة زائفة.
وبينما تواصل المقاومة العمل في ظروف شبه مستحيلة على الأرض، وتقدّم قادتها أرواحهم وأبنائهم في مواجهة آلة الموت الإسرائيلية، لا يتردد حلس في توجيه الاتهامات لها، محاولاً دفعها إلى التنازل والرضوخ، وكأنما يُنفّذ دورًا مرسومًا بعناية في إطار حملة ترويجية مأجورة تستهدف كسر الروح المعنوية للشعب الفلسطيني.
أداة في “شبكة أفيخاي”
بحسب نشطاء ومتابعين، فإن تحركات أحمد حلس وتصريحاته تقع ضمن نشاطات يُطلق “شبكة أفيخاي”، نسبة إلى المتحدث باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي، الذي يقود حملة تضليل تستهدف الفلسطينيين باستخدام وجوه ذات هوية فلسطينية لبث الشكوك وزعزعة الثقة بالمقاومة.
ويرى هؤلاء أن حلس، بعلاقاته الأمنية وشبكة التمويل الخارجي، يلعب دور “الناطق باسم الاستسلام”، لا الناطق باسم الشعب.
هذا الدور المزدوج – جمع تبرعات باسم غزة من جهة، والتحريض ضد فصائلها من جهة أخرى – يكشف عن تناقض أخلاقي وسياسي صارخ، ويضع علامات استفهام حول مدى تنسيق نشاطه مع جهات استخبارية تهدف لتقويض الداخل الفلسطيني من خلال خطاب الفتنة والمزايدة على معاناة الضحايا.
تحويل المعاناة إلى منصة للطعن في الظهر
لا شك أن الوضع الإنساني في غزة مأساوي، وأن الحاجة ماسّة لكل صوت داعم ومُناصر.
لكن ما يقوم به أحمد حلس ليس مناصرة، بل توظيف خبيث للدم الفلسطيني لتمرير أجندات تضليلية تخدم الاحتلال وتنسف وحدة الموقف الوطني.
وتحريضه المتواصل، وتاريخه المالي المشبوه، ومحاولاته للظهور بمظهر الضحية، تضعه في خانة الشخصيات التي تستغل القضية الفلسطينية لأغراض ذاتية، بل وتُسهم بشكل مباشر في إضعاف جبهة الصمود الداخلي.
وفي ظل تزايد هذه الأصوات، يبدو أن المعركة لم تعد فقط في الميدان، بل أيضاً على وعي المواطنين وذاكرتهم، حيث يحاول البعض إعادة تشكيل الحقيقة بما يخدم مشاريع الانقسام والاستسلام… وأحمد حلس مثال صارخ على ذلك.