
في الوقت الذي تمارس فيه إسرائيل واحدة من أبشع الجرائم الجماعية بحق الفلسطينيين في غزة منذ أكتوبر 2023، تصاعدت حملات موازية عبر مواقع التواصل الاجتماعي تقودها شخصيات فلسطينية أو تحمل أسماء فلسطينية، تتبنى رواية الاحتلال أو تدعو لتصفية المقاومة بشكل مباشر أو مبطن، ومن أبرز هذه الأسماء أمجد أبو كوش.
أمجد أبو كوش وخطاب التطبيع
ولا يكتفي أمجد أبو كوش بانتقاد المقاومة، بل يعتمد أسلوبًا نفسيًا خبيثًا يرتكز على زرع الشك، وترسيخ الإحباط، وضرب العلاقة بين الغزيين وحاضنتهم الاجتماعية والسياسية.
وخطاباته الموجهة تبدو في ظاهرها إنسانية، لكنها في جوهرها تحريض ممنهج على نزع سلاح المقاومة، وتسويق مقولات الهزيمة، ودفع الجمهور للقبول بالإملاءات الخارجية.
الترويج لصورة “المنقذ المصري”
وفي منشوراته، يخصص أمجد أبو كوش جهدًا متكررًا لتوجيه انتقادات حادة لحركة حماس وقياداتها، مستخدمًا في ذلك لغة تتجاوز النقد السياسي إلى خطاب مليء بالتجريح الشخصي والإساءة المباشرة.
وقد طالت هذه الاتهامات شخصيات بارزة في الحركة، من بينها خليل الحية، وجاءت ضمن منشورات اتسمت بلغة حادة وعبارات تحمل طابعًا هجوميًا، تجاوزت حدود النقد السياسي لتلامس الإساءة الشخصية والدعوة إلى إنهاء دور الحركة.
وبالمقابل، يقدم النظام المصري كمنقذ، ويُغدق عليه المديح، متهمًا أي صوت ينتقد الدور المصري بأنه “مرتزق” و”خائن” و”ذراع للإخوان المسلمين”. ويعمد إلى تمجيد العلاقة مع مصر بوصفها “دموية وإنسانية وانصهارية”، في محاولة لتكريس تبعية سياسية واجتماعية موجهة.
ترويج لمعادلة “الاستسلام أو الزوال”
وفي أبرز ما كتبه، يسعى أبو كوش إلى هدم الفكرة الأساسية للمقاومة المسلحة، متسائلًا بسخرية: “لمن سنحرر الأرض إن لم يبقَ أحد من شعبنا؟”. يقدّم معادلة زائفة تختزل الصراع في لقمة الخبز، ويطالب ضمنيًا بالاستسلام بحجة “وقف الموت”، كأنما الاحتلال سيتوقف عن القتل بمجرد أن تتخلى المقاومة عن سلاحها.
كما يلمّح أمجد أبو كوش إلى أن “المفاوضات مع إسرائيل” هي الطريق الواقعي، منتقدًا وجود حماس كممثل تفاوضي، وواصفًا إياها بأنها “ميليشيا لا تستحق التزامات سياسية من أحد”، في تقاطع واضح مع رؤية تل أبيب في تصفية القضية الفلسطينية عبر شطب المقاومة من المعادلة السياسية.
ويرتكب أمجد أبو كوش أحد أخطر أشكال التلاعب، عبر استثمار مأساة المدنيين في غزة، لتسويق الطروحات الأمنية والسياسية التي تخدم مشروع الاحتلال.
ويتناول أوضاع “المجاعة” و”الانهيار الأمني” بوصفها مبررات للدعوة إلى تغيير الواقع القائم في غزة، وطرح السلطة الفلسطينية كبديل، في انسجام واضح مع الطروحات الإسرائيلية والأميركية الرامية لإعادة تشكيل المشهد السياسي في القطاع.
امتداد واضح لشبكات أفيخاي
ويستخدم أبو كوش لغة محسوبة، فيها شيء من العاطفة، والكثير من الإسقاطات النفسية القاتلة، التي تزرع في المتلقي شعورًا بالعجز والانهزام، وتجرده من الثقة بأي مشروع مقاوم.
ويكرر عبارات مثل “الهزيمة ليست عيبًا”، و”كيف نقنعكم أنكم انتهيتم؟”، و”الموت يجب أن يتوقف بأي ثمن”، ليبني قناعة دفينة أن الصراع خاسر، وأن الانسحاب هو الحل الوحيد.
ورغم استخدامه اسمًا فلسطينيًا، فإن أبو كوش يُعد بامتياز جزءًا من شبكة الحرب النفسية الإسرائيلية التي يتزعمها متحدثون باسم جيش الاحتلال، مثل أفيخاي أدرعي.
وأسلوبه اللغوي، مواضيعه، توقيت نشره، وحتى علاقاته الرقمية، تدل على أنه أداة لتفكيك الجبهة الداخلية الفلسطينية، وإرباك الجمهور، وصناعة رأي عام يقبل تدريجيًا بالأمر الواقع.
ووجود شخصيات مثل أمجد أبو كوش ليس حالة فردية، بل جزء من هجوم إعلامي منظم يوازي آلة الحرب على الأرض. عبر هذه الشخصيات، تحاول إسرائيل ودوائرها فرض سردية جديدة أن غزة مأزومة بسبب المقاومة، لا الاحتلال؛ وأن الحل ليس في فك الحصار، بل في تغيير من يحكم.