معالجات اخبارية

السلطة تصعد عار التنسيق الأمني في ذروة الإبادة والتغول الإسرائيلي

في وقت تتصاعد فيه حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني في غزة، ومع اتساع رقعة الاعتقالات والاغتيالات في الضفة الغربية، تواصل السلطة الفلسطينية السير في طريق التنسيق الأمني مع الاحتلال، في مشهد يثير الغضب الشعبي ويعمّق أزمة الشرعية السياسية والأخلاقية للسلطة.

أحدث هذه الفصول تمثّل في إعادة جيش الاحتلال اعتقال أربعة من عناصر حركة الجهاد الإسلامي، أفرجت عنهم أجهزة أمن السلطة مؤخرًا بعد اعتقال دام نحو عشرة أشهر، بدعوى التخطيط لعمليات ضد أهداف إسرائيلية.

المشهد: ملاحقة مزدوجة للمقاومة

وفق مصادر أمنية، لم يكتفِ جهاز المخابرات العامة التابع للسلطة باعتقال هؤلاء المقاومين، بل سلّم ملفاتهم الأمنية كاملة لجيش الاحتلال، لتكتمل بذلك حلقة الملاحقة المزدوجة: تبدأ من احتجازهم في سجون السلطة، ثم انتقالهم مباشرة إلى قبضة الاحتلال.

هذه الخطوة ليست سابقة معزولة، بل امتدادٌ لنهج متجذر منذ توقيع اتفاق أوسلو، حيث حُوّلت الأجهزة الأمنية إلى أداة ضبط داخلي للمقاومة تحت لافتة “التنسيق الأمني المقدس”.

التسويق الأمني لإنجاز ضد المقاومة

السلطة، وعبر وسائل إعلامها، سبق أن عرضت صور الأسلحة والعتاد التي صادرتها من الخلية، وقدّمت العملية على أنها إنجاز أمني يحمي “الاستقرار”، متجاهلة أن المستفيد الوحيد من هذا الإنجاز هو الاحتلال الذي يواصل حربه على كل أشكال المقاومة المسلحة والشعبية.

وتكشف هذه الممارسات التناقض الصارخ بين خطاب السلطة السياسي الذي يدين العدوان، وبين سلوكها الأمني الذي يسهّل على دولة الاحتلال استكمال مخططاتها.

التنسيق الأمني… من شعار إلى عقيدة

منذ أن وصف الرئيس محمود عباس التنسيق الأمني بـ”المقدس”، تحوّل هذا التعاون مع أجهزة الاحتلال من التزام سياسي إلى عقيدة أمنية تحكم سلوك السلطة.

ورغم الانتقادات الشعبية والفصائلية، ورغم الجرائم الإسرائيلية اليومية، لم تتراجع السلطة عن هذا المسار، بل زادت وتيرته في السنوات الأخيرة، خصوصًا مع تصاعد العمل المقاوم في الضفة الغربية.

انعكاسات على شرعية السلطة

هذه الممارسات تطرح تساؤلات وجودية حول هوية السلطة ووظيفتها:

هل هي سلطة وطنية تمثل الشعب الفلسطيني، أم جهاز إداري–أمني يعمل على ضبط الأمن لصالح الاحتلال؟

هل يمكن لسلطة تدّعي السعي لإنهاء الاحتلال أن تكون في الوقت نفسه أداة لتصفية المقاومة؟

هذه الأسئلة باتت تتردد على ألسنة النشطاء ورواد مواقع التواصل الاجتماعي، في ظل قناعة متنامية بأن السلطة أصبحت حائط الصد الأول في وجه أي عمل مقاوم، ما يضعها في مواجهة مباشرة مع المزاج الشعبي.

توقيت بالغ الحساسية

خطورة هذا الحدث لا تكمن فقط في طبيعته، بل في توقيته:

في غزة، يمارس الاحتلال سياسة الأرض المحروقة والتجويع الممنهج.

في الضفة، تتوسع عمليات الاقتحام والاعتقال والاغتيال بحق المقاومين.

على الصعيد الإقليمي، تنشط مسارات التطبيع والضغط العربي على المقاومة.

وسط هذه الظروف، كان من المنتظر أن تصطف السلطة إلى جانب المقاومة، أو على الأقل تلتزم الحياد، لا أن تواصل دور “المقاول الأمني” بالنيابة عن الاحتلال.

التجربة المرة للملاحقة المزدوجة

ظاهرة الاعتقال المزدوج للمقاومين – أولًا في سجون السلطة ثم في سجون الاحتلال – ليست جديدة.

عشرات النشطاء والفصائل وثّقوا حالات مشابهة، حيث تُفرج السلطة عن معتقلين بعد ضغوط حقوقية أو شعبية، ليتم اعتقالهم فورًا من قبل الجيش الإسرائيلي، وكأن العملية مخطط لها مسبقًا. هذه الظاهرة تعمّق حالة انعدام الثقة بين السلطة وجمهور المقاومة، وتمنح الاحتلال أفضلية استخبارية في ملاحقة النشطاء.

صوت الشارع… من الغضب إلى القطيعة

التفاعل على وسائل التواصل الاجتماعي عكس حالة غضب عارم، إذ يرى كثيرون أن السلطة بهذا السلوك تفقد ما تبقى لها من رصيد وطني، وتضع نفسها في خانة المتواطئين، خاصة وأنها تواصل التنسيق الأمني في لحظة تاريخية يتعرض فيها الشعب الفلسطيني لمحاولة تصفية شاملة.

بعض النشطاء ذهبوا أبعد من ذلك، واعتبروا أن استمرار هذه السياسة قد يقود إلى انفجار داخلي في الضفة الغربية، حيث تتزايد الدعوات لإنهاء التنسيق الأمني وإعادة تعريف وظيفة السلطة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى