فضيحة ملاك فضة وعلي شريم تكشف عن شبكة معقدة من الفساد والتنسيق المشبوه

في وقت يعيش فيه آلاف المرضى الفلسطينيين في قطاع غزة ظروفًا صحية كارثية، ويقفون على قوائم انتظار طويلة للحصول على فرصة للعلاج خارج القطاع، كشفت قضية “ملاك فضة” وارتباطها باسم العضو في شبكة أفيخاي “علي شريم” ومنظمة إسرائيلية عن شبكة معقدة من الفساد والتنسيق المشبوه والمتاجرة بآلام المواطنين.
وتطرح القضية التي شغلت الرأي العام في الساعات الأخيرة، أسئلة جوهرية حول مصير ملايين الدولارات التي جُمعت باسم المساعدات الإنسانية، وحول آليات الخروج من غزة التي باتت خاضعة لاعتبارات مالية وسياسية أكثر منها إنسانية.
ملاك فضة ويكيبيديا
على مدى أشهر طويلة، قدّمت ملاك فضة نفسها كناشطة إنسانية تجمع التبرعات لدعم النازحين والجرحى في قطاع غزة.
وقد ظهرت في صور وتصريحات إعلامية تدافع عن مشروعها وتؤكد أنه مخصص لخدمة العائلات المنكوبة.
لكن التطورات الأخيرة كشفت أن حسابات مصرفية خارجية مرتبطة بها احتوت على مئات آلاف الدولارات، وهو ما يفتح بابًا واسعًا للاشتباه بأنها اختلست أموال المتبرعين.
هذه الأموال، التي كان يُفترض أن تذهب لإطعام الجائعين أو توفير الدواء للمرضى، صارت وسيلة لتمويل هروبها من القطاع. السؤال الذي يفرض نفسه: أين ذهبت ملايين الدولارات التي جمعتها فضة؟ وهل هناك شركاء آخرون استفادوا من هذه الشبكة؟
السفر بالرشاوي على حساب المرضى
وفقًا للمصادر، دفعت ملاك فضة آلاف الدولارات لتأمين خروجها من غزة. وقدّمت تقريرًا طبيًا يفيد بأنها مصابة بحصوة وتحتاج إلى علاج خارج القطاع.
وبينما تم قبول ملفها بسرعة قياسية، يقبع آلاف المرضى الآخرين في غزة في أوضاع حرجة، ينتظرون منذ شهور وربما سنوات، دون أن يُسمح لهم بالمغادرة.
وتكشف هذه المفارقة عن منظومة فاسدة قائمة على “ادفع تخرج”، حيث يتحول الحق الإنساني في العلاج إلى سلعة تباع وتشترى. ويشير ذلك إلى أن بوابات الخروج من غزة لم تعد مجرد قضية سياسية أو إنسانية، بل أصبحت سوقًا سوداء تنشط فيها أسماء نافذة وشبكات مشبوهة.
دور علي شريم والتنسيق مع الاحتلال
الأكثر إثارة للجدل كان اعتراف علي شريم بدوره في تسهيل خروج ملاك فضة. فقد وجّه – بحسب ما تسرب – زوجها للتواصل مع منظمة “هوموكيد” الإسرائيلية لحقوق الإنسان بهدف رفع منع السفر عنها وتقديم أوراقها.
وعندما تواصلوا مع المنظمة، قيل لهم إن الأمر من اختصاص مؤسسة “مسلك” (GISHA)، التي نسقت بالفعل خروجها عبر الصليب الأحمر وصولًا إلى الأردن.
هذا الاعتراف يضع شريم في قلب الفضيحة المثارة، إذ يظهر كحلقة وصل مباشرة بين جهات فلسطينية وأخرى إسرائيلية في قضايا حساسة تمس حياة الفلسطينيين داخل القطاع.
والسؤال هنا: هل ما جرى مجرد حالة فردية، أم أن هناك شبكة واسعة من التنسيق المنظم تُدار خلف الكواليس؟
عصابة ياسر أبو شباب: حلقة إضافية في السلسلة
لم يكن اسم ياسر أبو شباب بعيدًا عن هذه القصة. فبحسب مصادر، ساعدت عصابته ملاك فضة في التواصل مع علي شريم، ما يعزز الانطباع بأننا أمام شبكة متداخلة تجمع بين مجموعات مسلحة مشبوهة، سماسرة سفر، ومنظمات إسرائيلية.
ويطرح هذا التداخل فرضية خطيرة مفادها أن بعض القوى المحلية باتت تلعب دور الوسيط لتمرير أجندات إسرائيلية، سواء بدافع المال أو النفوذ.
وقبل أشهر، كانت أصوات عديدة تدافع عن ملاك فضة وتعتبرها “منقذة للفقراء” و”صوت النازحين”. لكن انكشاف تفاصيل رحلتها المثيرة للجدل، وارتباطها بأموال مشبوهة وبشبكات تنسيق مع جهات إسرائيلية فضلا عن عصابة ياسر أبو شباب، جعل هذه الصورة تنهار أمام الرأي العام.
المدافعون عنها يواجهون اليوم سؤالًا محرجًا: كيف يمكن تبرير أن من كانت تدّعي خدمة المواطنين تخلّت عنهم في أصعب الأوقات، واشترت لنفسها النجاة بآلاف الدولارات وبهذه الطريقة المشينة.
فالقضية لا تقف عند حدود فضة أو شريم أو أبو شباب. إنها تكشف عن مأساة أوسع: آلاف المرضى في غزة يعانون أمراضًا مستعصية مثل السرطان والفشل الكلوي وإصابات الحرب، ولا يجدون طريقًا للعلاج. هؤلاء تُترك ملفاتهم مكدسة، في حين تُفتح الأبواب سريعًا أمام من يملك المال أو النفوذ.
بهذا المعنى، قضية ملاك فضة ليست سوى نموذج مصغر لواقع أكبر، حيث يُحرم المستضعفون من حقوقهم، بينما ينجو أصحاب المال عبر صفقات في الكواليس.
أسئلة مفتوحة ومسؤوليات غائبة
ما هو حجم الأموال التي اختلستها ملاك فضة، ومن شاركها في إدارتها؟
كيف سمحت المنظمات الإنسانية الدولية بتمرير ملفها بهذه السرعة، بينما يتجاهل آلاف المرضى الآخرين؟
ما الدور الحقيقي لعلي شريم، وهل يشكل جزءًا من شبكة تهجير منظمة؟
وأخيرًا، هل يمكن مساءلة العصابات المحلية التي تربطها خيوط تعاون مع الاحتلال تحت غطاء “المساعدات”؟
وبالمحصلة تكشف قضية ملاك فضة وعلي شريم عن واقع قاتم من الفساد والتواطؤ، حيث تتحول المعاناة الإنسانية في غزة إلى سلعة سياسية ومالية. إنها ليست مجرد حادثة فردية، بل جرس إنذار على أن الممرات الإنسانية يتم اختطافها من قبل سماسرة وأطراف متشابكة مع الاحتلال.