
في ذروة الهجمات الإيرانية على إسرائيل، وبعد أن أعلنت سلطات الاحتلال إغلاق المجال الجوي ووقف الحركة الجوية بالكامل، لم يجد آلاف الإسرائيليين وسيلة للعودة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة سوى عبر الحدود البرية.
وهنا، لم تتأخر مصر والأردن، فبحسب ما كشفته صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، عاد ما لا يقل عن 39 ألف إسرائيلي إلى الداخل الفلسطيني عبر المعابر البرية مع القاهرة وعمّان منذ اندلاع المواجهة مع طهران.
ليست هذه أرقامًا عابرة أو مجرد تفاصيل لوجستية، بل عنوان صارخ لدور عربي رسمي يُسهِّل عودة الإسرائيليين إلى دولة الاحتلال، بينما يُغلِق الأبواب في وجه الفلسطينيين الذين يتعرضون يوميًا للقصف والتجويع والحصار.
مصر والأردن أنقذت إسرائيل
وفي الوقت الذي يُمنع فيه جرحى غزة من الوصول إلى معبر رفح، ويُحتجز المرضى والأطفال والطلاب الفلسطينيون في طوابير الانتظار تحت شمس المعاناة، فتحت مصر معبر طابا للإسرائيليين دون تردد.
وفي شرق نهر الأردن، لم يختلف المشهد، إذ تحوّل جسر الملك حسين إلى شريان مفتوح لإعادة الإسرائيليين إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، في لحظة عسكرية حرجة كانت فيها تل أبيب تبحث عن أي منفذ لإعادة مواطنيها من الخارج.
وهذه المفارقة الموجعة تكشف زيف الخطاب العربي الرسمي. فالدولتان اللتان تُفترض مشاركتهما التاريخية في “دعم القضية الفلسطينية”، فتحتا حدودهما لعودة الإسرائيلي، ولم تحرّكا ساكنًا أمام محنة الفلسطيني المحاصر.
العودة تحت القصف بتنسيق عربي
ولم تكن عودة 39 ألف إسرائيلي عبر المعابر البرية ممكنة لولا تنسيق أمني ولوجستي رفيع المستوى بين إسرائيل من جهة، ومصر والأردن من جهة أخرى. فبإغلاق الأجواء والمطارات، تصبح السيطرة على الحدود البرية أمرًا بالغ الأهمية لإسرائيل في حالات الطوارئ، وهو ما وفّره لها جيرانها العرب دون إعلان أو تحفظ، كما لو أن حماية “الأمن القومي الإسرائيلي” أصبحت وظيفة إقليمية معتمدة.
والمفارقة أن هذه العودة لم تكن هروبًا من الحرب، بل عودة إلى الداخل في عزّ الضربات. وهو ما يعكس حرص المؤسسات الإسرائيلية على استعادة مواطنيها من الخارج بسرعة، حتى وإن اضطروا إلى دخول البلاد من خلال دول عربية.
تطبيع يتجاوز الصمت إلى التواطؤ
وما جرى خلال الأسابيع الماضية لا يمكن اعتباره مجرد تطبيع بارد. بل هو تواطؤ نشط، ومشاركة وظيفية في إعادة بناء الثقة داخل المجتمع الإسرائيلي، في لحظة كانت الدولة العبرية تعيش فيها أزمتها الوجودية الأخطر منذ عقود.
والمعابر البرية في مصر والأردن لم تكن مجرّد بوابات حدود، بل كانت صمّامات نجاة أنقذت سمعة النظام الإسرائيلي وسمحت له بترتيب صفوفه داخليًا، عبر عودة الآلاف من رعاياه دون أي عرقلة أو اعتراض.
وفي المقابل، ظلّ الفلسطيني في القطاع محاصرًا، يتلوّى تحت وطأة المجاعة، ويُدفن أطفاله تحت الأنقاض، ويُمنع حتى من الخروج لتلقي العلاج.
وفي ذروة الضربات الإيرانية التي استهدفت عمق الأراضي المحتلة، وبينما كانت تل أبيب تُغلق مجالها الجوي وتعجز عن تأمين حركة الطيران، تولّت مصر والأردن عمليًا دور خط الإمداد البشري لإعادة الإسرائيليين العالقين إلى الداخل. ولم يكن ذلك موقفًا عابرًا، بل ترجمة فعلية لانخراط علني في تأمين استقرار الاحتلال.
وهذا الدور الذي يجري تحت عباءة “التنسيق الأمني” و”العلاقات الدبلوماسية” لم يعد استثناءً، بل أصبح قاعدة سياسية جديدة في المنطقة، تُنفَّذ بأدوات عربية. وبينما تنهار غزة وتُباد الضفة الغربية وسط صمت العالم، تتقدّم أنظمة عربية لتأدية دور الحارس الحدودي لأمن الكيان الإسرائيلي، دون خجل أو حساب.