
تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي تنفيذ سياسة تهدف إلى تفريغ الضفة الغربية من سكانها الأصليين، من خلال تصعيد عمليات الهدم والإخطارات في بلدات وقرى الضفة، وذلك ضمن استراتيجية استيطانية توسعية تخالف القانون الدولي، وتمثل خرقًا واضحًا لاتفاقيات أوسلو.
تقطيع أوصال الضفة
وفي أحدث حلقات هذه السياسة، سلّمت سلطات الاحتلال الإسرائيلي ثمانية إخطارات تقضي بهدم منازل ومنشآت زراعية في بلدة بروقين غرب محافظة سلفيت.
ووفق رئيس بلدية بروقين، فائد صبرة، فإن الإخطارات شملت ستة منازل مأهولة، تضم 12 شقة سكنية، بينها منزل قديم يعود بناؤه لعشرات السنين، ما يدحض مزاعم الاحتلال بأن البناء غير قانوني أو حديث العهد.
كما شملت الإخطارات وقف العمل في بركسين زراعيين، الأمر الذي يُعد امتدادًا لحملة إسرائيلية ممنهجة تستهدف الزراعة والاقتصاد الريفي الفلسطيني، في وقت تتزايد فيه أعداد المستوطنات على حساب القرى المحيطة.
48 إخطار هدم خلال شهر
وتشير تقارير ميدانية إلى أن الشهر الماضي فقط شهد إصدار 48 إخطارًا بالهدم في أنحاء الضفة الغربية.
وتصدرت محافظة رام الله القائمة بـ21 إخطارًا، تلتها سلفيت بـ18، ثم طولكرم بـ4، والقدس بـ3، ونابلس بإخطار واحد.
وهذا التوزيع يعكس اتساع رقعة الاستهداف الإسرائيلي الذي لم يعد محصورًا في مناطق “C” فحسب، بل يتغلغل حتى في المناطق المصنفة “A” و”B”.
هندسة ديموغرافية شاملة
واعتبر المحلل السياسي محمد القيق أن ما يجري في الضفة الغربية “يتعدى مسألة تنظيم البناء، ليتحول إلى استراتيجية إسرائيلية مدروسة لإضعاف الوجود الفلسطيني، ومنع أي إمكانية للتطور العمراني أو التوسع الطبيعي”.
وبحسب القيق، فإن الاحتلال يتبع مسارين متوازيين الأول يتمثل في طرد السكان من المناطق المستهدفة، لتحويلها لاحقًا إلى مناطق خالية يتمدد فيها الاستيطان.
أما الثاني، فيكمن في تضييق الخناق على الأطراف والمدن الفلسطينية، لجعل الحياة فيها غير قابلة للاستمرار.
ويشير القيق إلى أن الفلسطينيين الراغبين في الحصول على رخص بناء داخل مناطق “C” يواجهون مسارًا بيروقراطيًا طويلًا ومعقدًا، غالبًا ما ينتهي بالرفض. وهي سياسة مشابهة لتلك المتبعة في القدس، حيث يتحول التعقيد الإداري إلى أداة من أدوات العقاب الجماعي.
ويضيف أن الاحتلال يسعى لمحاصرة الفلسطينيين في مساحات ضيقة ومكتظة، خالية من البنية التحتية، في مقابل إفساح المجال أمام المستوطنات للنمو والتمدد في كل اتجاه.
خطة إسرائيلية ممنهجة
ورغم أن اتفاق أوسلو ينص على وقف التوسع الاستيطاني، إلا أن الاحتلال بات ينفذ اختراقات “هادئة” تمتد حتى للمناطق المصنفة (أ)، بما يشمل أراضي خاصة وزراعية، دون أي خشية من المساءلة الدولية.
ويشير القيق إلى أن هذا يتم في ظل تراجع الحضور الدولي للملف الفلسطيني، وصمت المجتمع الدولي عن هذه الانتهاكات الخطيرة.
وما تشهده الضفة الغربية اليوم هو عملية تهجير صامتة بأدوات قانونية زائفة وغطاء إداري ممنهج، تهدف إلى فرض وقائع ديموغرافية جديدة تخدم المشروع الاستيطاني الإسرائيلي على حساب الوجود الفلسطيني التاريخي والشرعي.