مشروع مصري لإدارة غزة يهدد المقاومة ويخدم إسرائيل

كشفت تقارير غربية أن السلطات المصرية بدأت بالفعل في تدريب مئات الفلسطينيين، أغلبهم من عناصر الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، ضمن خطة أوسع تستهدف تشكيل قوة أمنية يصل قوامها إلى نحو عشرة آلاف عنصر لتولي السيطرة على قطاع غزة في مرحلة ما بعد الحرب.
وبحسب المعلومات، فإن التدريبات تُجرى داخل الأكاديميات العسكرية المصرية، على أن يتوسع البرنامج ليشمل الآلاف خلال الأشهر المقبلة، معظمهم من أجهزة أمن السلطة في الضفة الغربية، إضافة إلى كوادر من حركة فتح داخل غزة.
ووفق الخطة، ستُرسل دفعة أولى قوامها خمسة آلاف عنصر إلى مصر بمجرد إعلان وقف إطلاق النار، حيث يخضعون لدورة مكثفة مدتها ستة أشهر، قبل أن يُعاد نشرهم داخل القطاع لإدارة الملف الأمني.
المشروع المصري والتمويل
وأكد محمود الهباش، المستشار المقرّب من رئيس السلطة محمود عباس، أن تمويل هذه القوة سيتم من أموال المجتمع الدولي، في إطار مشروع يهدف إلى إعادة تأهيل السلطة ومنحها دورًا مركزيًا في غزة.
واعتبر أن غياب السلطة يعني أحد خيارين لا ثالث لهما إما حكم حركة حماس أو الفوضى.
وأشارت التقارير نفسها إلى أن مصر ليست وحدها في هذا التوجه، بل هناك دعم عربي من دول عدة، بينها الأردن وبعض دول الخليج، فيما تضغط الإمارات بشكل خاص لفرض تغييرات واسعة داخل السلطة الفلسطينية قبل منحها أي تفويض رسمي بشأن القطاع.
مشروع مصري يخدم إسرائيل
وهذه الخطوة المصرية تثير جدلًا واسعًا، إذ يُنظر إليها باعتبارها جزءًا من مشروع يهدف إلى إقصاء المقاومة الفلسطينية، وإعادة غزة إلى دائرة نفوذ السلطة الفلسطينية، رغم رفض الشارع الفلسطيني الواسع لقيادة محمود عباس.
ويعتبر منتقدون أن القاهرة تتحرك بما يتماشى مع الرؤية الأمريكية والإسرائيلية أكثر مما تراعي الموقف الشعبي الفلسطيني أو المأساة الإنسانية في القطاع.
ورغم الزخم العربي، فإن العقبة الأكبر تبقى إسرائيل، التي ترفض بشكل واضح عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة.
حيث صرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مرارًا بأن السلطة “شريك في الإرهاب” ولا تختلف كثيرًا عن حماس، رغم استمرار التنسيق الأمني معها في الضفة الغربية.
كما شدد جنرالات إسرائيليون متقاعدون على أن الخطة الإسرائيلية تقوم على إدارة محلية غير مرتبطة لا بالسلطة ولا بحماس، مع بقاء السيطرة الأمنية الكاملة بيد الاحتلال.
مطالبات بالاستقالة
وعلى الصعيد الداخلي، يواجه المشروع المصري أزمة ثقة حادة، استطلاع للرأي أجراه مركز البحوث بقيادة خليل الشقاقي في مايو الماضي أظهر أن 81% من الفلسطينيين يطالبون محمود عباس بالاستقالة.
وهذا الرفض الشعبي الواسع يطرح علامات استفهام حول جدوى إعادة السلطة إلى غزة رغم فقدانها للشرعية.
ومن جانبها، رفضت حركة حماس الخطة المصرية – الإماراتية – القطرية الأخيرة، التي تضمنت تشكيل قوة أمنية دولية بغطاء عربي، مؤكدة أنها تتمسك بمقترحات أخرى تشمل وقفًا لإطلاق النار وإطلاق سراح أسرى فلسطينيين مقابل عدد محدود من الأسرى الإسرائيليين.
الموقف الأمريكي من غزة
وترى تقارير سياسية أن العامل الحاسم يبقى في واشنطن، فالإدارة الأمريكية تسعى من جهة إلى منع انهيار تام لحماس خشية الفوضى، ومن جهة أخرى تعمل على تمكين السلطة الفلسطينية لتكون البديل، إلا أن هذه المعادلة تبدو معقدة، إذ يتطلب الأمر إصلاحات واسعة داخل السلطة وضمانات قوية، وسط استمرار الرفض الإسرائيلي.
وفي خضم هذه الحسابات الأمنية والسياسية، يظل الواقع الإنساني في غزة هو الأكثر مأساوية، حيث أعلنت وزارة الصحة في غزة أن أكثر من 62 ألف فلسطيني استشهدوا منذ اندلاع الحرب في أكتوبر 2023، فيما دُمّرت البنية التحتية بشكل واسع، ويواجه السكان مستويات كارثية من الجوع وسوء التغذية.
ويرى ناشطون أن انشغال بعض الأطراف العربية، وعلى رأسها مصر، بخطط أمنية على حساب الوضع الإنساني، يعكس انفصالًا عن أولويات الشعب الفلسطيني الذي يواجه كارثة غير مسبوقة.