
بينما كان الشعب الفلسطيني يكتب ملحمة تاريخية صباح 7 أكتوبر 2023، ويعيد وضع قضيته على رأس العالم بدمائه وتضحياته، كانت قيادة السلطة الفلسطينية نائمة.
وقدّم محمد اشتية، رئيس الوزراء الفلسطيني السابق، بنفسه شهادة تحوّلت إلى وثيقة إدانة سياسية وأخلاقية، حين روى أنه استيقظ متأخرًا على الحدث الأهم في تاريخ فلسطين المعاصر بعد أن أيقظته ابنته على خبر الهجوم الكبير في غزة، ليقول في اتصال مع محمود عباس: “لقيته صاحي!”
جملة تختصر حالة الشلل والانفصال الكامل للسلطة الفلسطينية عن شعبها، وتكشف قيادة غائبة عن التاريخ بينما دماء الفلسطينيين ترسم لحظة فارقة.
سلطة مشلولة وشعب يقاتل وحده
واعترف اشتية بلا تردد أن السلطة عاشت حالة ارتباك وشلل في الأيام الأولى بعد الهجوم، تاركةً الفلسطينيين يواجهون وحدهم أكبر حملة عسكرية وتهجير وتدمير منذ النكبة.
وقال بصراحة خلال حلقة بودكاست: “تم وضع كل الشعب الفلسطيني في خانة واحدة وتم التحريض على كل ما هو فلسطيني”.
ولكن بدل أن تتحرك السلطة سياسيًا أو شعبيًا لتوظيف اللحظة التاريخية، اكتفت بعقد الاجتماعات الأمنية، بينما كان العالم يفتح الضوء الأخضر للاحتلال كي يدمر غزة بلا رادع.
وعقب هجوم السابع من أكتوبر، عبّر محمد اشتية عن صدمته الكبيرة وقال إن السلطة دخلت في حالة ارتباك غير مسبوقة، وأشار إلى اجتماع أمني عاجل تم التشاور فيه مع الرئيس محمود عباس لمعرفة ملابسات الهجوم.
ورغم اعترافه بأن الهجوم أعاد القضية الفلسطينية إلى الواجهة، إلا أنه حمّل حماس مسؤولية الخطأ، قائلاً إنها “أخرجت القضية من الثلاجة لكنها أدخلتها الفرن”.
وأشار إلى أن السلطة تعرضت لحصار سياسي ومالي خانق بعد الهجوم، ما أثر على قدرتها على الحركة، مؤكدًا أن السلطة لن تقبل بحماس في منظمة التحرير إلا بعد تسليم السلاح والالتزام بقراراتها، مع مطالبتها بإدارة قطاع غزة.
محمد اشتية يتباهى بالفتات
ورغم الكارثة الإنسانية، تهرّب محمد اشتية من أي مسؤولية عن الجوع والفقر وانقطاع الرواتب في الضفة وغزة، مدعيًا أن الأمر مجرد إجراءات إسرائيلية، متناسيًا أن حكومته ساهمت في العقاب المالي ضد غزة لسنوات.
والمفارقة الصادمة أنه حاول التفاخر بأنه كان يرسل رواتب ومساعدات للقطاع حتى ليلة 7 أكتوبر، وكأن فتات الرواتب يعادل دماء عشرات آلاف الشهداء والجرحى، في مشهد يجسد عجز السلطة وانفصالها الأخلاقي عن الشعب.
كارثة الضفة الغربية وتجاهل السلطة
واعترف اشتية أن الضفة الغربية تحولت إلى جحيم من الحواجز والاعتداءات، قائلاً إن الاحتلال والمستوطنين نشروا الإرهاب عبر 921 حاجزًا عسكريًا، وإن مخيم جنين “ما ضل فيه حدا”، وكذلك مخيم نور شمس ومخيم طولكرم، نتيجة الاقتحامات المتواصلة.
ورغم هذا الواقع المأساوي، تجاهل محمد اشتية وقيادة السلطة ما تتعرض له الضفة الغربية من اقتحامات واعتقالات يومية وإرهاب المستوطنين، وانشغل بخطاب منفصل عن نبض الشارع.
فبدل أن يحمّل الاحتلال المسؤولية المباشرة ويقف مع المقاومة، اختار مهاجمة السابع من أكتوبر نفسه، واعتبر أن ما يجري في غزة يقود إلى المجاعة بدل أن يواجه المجرم الحقيقي.
خطاب المبررات وشهادة السقوط
وزاد على ذلك أنه قدّم خطابًا مليئًا بالمبررات عن فشل المفاوضات، قائلاً إننا “مش شايفين نتائج”، وإن الأمور تعود إلى “مربعات سيئة”، مركزًا على انتقاد حماس بدل أن يقدّم أي رؤية أو موقف سياسي بحجم التضحيات، في وقت يكتفي فيه بمراقبة مجريات المفاوضات من بعيد دون أي تأثير حقيقي.
ثم روّج محمد اشتية لفكرة أن منظمة التحرير يجب أن تكون الشريك الرئيسي في أي مفاوضات قادمة حول مستقبل غزة، رغم أن سلطته غائبة ومشلولة ولم تقدّم شيئًا يوازي دماء الشعب وصموده.
وتحولت مقابلة محمد اشتية إلى شهادة سقوط مدوية لسلطة غائبة وعاجزة، مقابل شعب يقاتل ويصمد.
ولم يقدم الرجل أي موقف سياسي بحجم التضحيات، ولم يتحدث إلا عن اجتماعات، وفتات رواتب، ومبررات خاوية، تاركًا التاريخ يسجل أنه كان نائمًا عن وعيه السياسي بينما الشعب الفلسطيني يصنع المجد بدمه وصموده.