معالجات اخبارية

أبو شباب.. ذراع إسرائيل في غزة يثير الفوضى ورفضًا شعبيًا واسعًا

في ظل الفوضى الأمنية التي يعيشها قطاع غزة منذ اندلاع الحرب في أكتوبر 2023، برزت ميليشيات محلية تتحرك في الفراغ الأمني الذي خلّفه القصف الإسرائيلي.

وأبرز هذه الجماعات يقودها ياسر أبو شباب، الذي تحول إلى شخصية مثيرة للجدل بين اتهامات بـ”نهب المساعدات” ومحاولات لتقديم نفسه كقوة بديلة مدعومة إسرائيليًا.

من هو أبو شباب؟

وينحدر أبو شباب، 35 عامًا، من عشيرة الترابين الممتدة بين غزة وسيناء المصرية، ويقول محللون فلسطينيون وإسرائيليون إنه تورط سابقًا في تهريب السلاح والمخدرات، وحتى تعامل مع مجموعات مرتبطة بـ”داعش” في سيناء قبل الحرب.

ومع انهيار المنظومة الأمنية في غزة خلال خريف 2024، ظهر أبو شباب على الساحة بقوة.

واتهمته منظمات الإغاثة الدولية بقيادة عمليات منهجية لنهب شاحنات المساعدات الإنسانية التي دخلت قطاع غزة، ورفض أبو شباب هذه الاتهامات بادعاء أنه “أخذ من الشاحنات بدافع الحاجة” فقط، نافياً أي اعتداء على السائقين، وهو ما ينفيه كثير من الشهود وعمال الإغاثة الذين أكدوا تورطه المباشر في هذه العمليات، مما يعزز صورته كعميل يعمل لصالح الاحتلال على حساب المدنيين المحتاجين.

تحركات علنية تحت أنظار الاحتلال

وخلال الأشهر التالية، شوهدت مجموعة أبو شباب المسلحة بأسلحة خفيفة من نوع إيه كي–47 وهي تجوب مناطق جنوب غزة، وتوقف قوافل أممية عند نقاط تفتيش مؤقتة دون تدخل إسرائيلي.

ويرى محللون أن غياب رد الفعل الإسرائيلي يعكس دعمًا غير مباشر لهذه الجماعة التي باتت تشكل جزءًا من استراتيجية الاحتلال لفرض نفوذ محلي بديل داخل قطاع غزة.

وفي الوقت ذاته، الإعلام الإسرائيلي قدمه كـ”محرر إنساني” يسعى لفرض الأمن، بينما يراه سكان غزة قائد عصابة يعمل في خدمة الاحتلال.

تصعيد المواجهة مع حماس واستهداف عائلته

ولم يمر وقت طويل حتى وضعت حماس وحدة خاصة باسم “السهم الثاقب” لملاحقة أبو شباب وأفراد عصابته.

وفي ديسمبر 2024، قُتل شقيقه على يد الوحدة الخاصة، بحسب مصادر طبية في المستشفى الأوروبي بغزة.

ومع دخول هدنة الشهرين حيّز التنفيذ في يناير 2025، استغلت أجهزة حماس الأمنية توقف القصف الإسرائيلي لتنفيذ حملة انتقامية ضد ميليشيا أبو شباب، حيث اعتقلت وعاقبت نحو 20 من عناصره، وفق مقاطع مصوّرة على وسائل التواصل الاجتماعي.

واختفى أبو شباب بعد ذلك لعدة أشهر، قبل أن يعاود الظهور أواخر مايو 2025 بعد تجدد الحرب، معلنًا تغيير اسم جماعته إلى “القوات الشعبية”.

مشروع “القوات الشعبية”

وحاول أبو شباب إعادة تقديم نفسه كسلطة فعلية جنوب غزة، فأعلن عن إنشاء منطقة محمية شرقي رفح لاستقبال النازحين، وبدأ حملة لتشكيل لجان إدارية ومجتمعية وإطلاق عملية تجنيد محلية.

وزعم في تصريحات صحفية أن أكثر من 2000 مدني يعيشون في هذه المنطقة التي تمتد لمسافة ميلين على الحدود مع مصر، مؤكدًا أنه يسعى إلى دعم أميركي وأوروبي وعربي لترسيخ سلطته.

لكن وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية رفضت التعاون مع مجموعته، وأكدت أن قوافل المساعدات تتحرك تحت حماية الاحتلال وليس بإشرافه.

استراتيجية إسرائيلية قديمة

ويرى خبراء أن رهان إسرائيل على العشائر والميليشيات المحلية ليس جديدًا، ففي السبعينيات والثمانينيات، دعمت سلطات الاحتلال روابط القرى في الضفة الغربية عبر منح امتيازات وسلاح لبعض الوجهاء المحليين لإضعاف منظمة التحرير الفلسطينية.

ويؤكد المؤرخ رشيد الخالدي أن إسرائيل تطبق أقدم إستراتيجية استعمارية تقوم على خلق الانقسام الداخلي وزرع الفوضى، مشيرًا إلى أن هذا النهج يهدف إلى منع الفلسطينيين من توحيد صفوفهم وفرض أي واقع سياسي موحد.

رفض شعبي وتحذيرات أمنية إسرائيلية

ورغم محاولات الشرعنة، يواجه أبو شباب رفضًا شعبيًا واسعًا، حتى عشيرته الترابين أعلنت تبرؤها منه، حيث قال الوجيه عادل الترابين:”ياسر أبو شباب لا يمثلنا، إنه يمثل نفسه فقط”.

وعلى الجانب الآخر، تحذر قيادات أمنية إسرائيلية من أن هذه الجماعات قد تنقلب على الاحتلال في المستقبل، على غرار تجربة أفغانستان في الثمانينيات، حين أدى تسليح مجموعات محلية إلى ظهور طالبان لاحقًا.

وتمثل تجربة ياسر أبو شباب صورة معقدة للوضع الراهن في غزة، حيث تستغل الميليشيات المحلية الفوضى والفراغ الأمني الذي يعصف بالقطاع.

وفي الوقت نفسه، تستمر إسرائيل في تقديم دعم معلن وغير معلن لهذه الجماعات كجزء من استراتيجية تهدف إلى خلق قوى محلية بديلة.

ومع ذلك، تواجه هذه الميليشيات رفضًا شعبيًا واسعًا وتحذيرات متزايدة من احتمال أن يتحول هذا المشروع ضد مصالح داعميه في المستقبل.

وفي النهاية، يبدو أن مشروع أبو شباب هو أحدث نسخة من محاولات الاحتلال لإعادة إنتاج الانقسام الداخلي، في وقت يواجه فيه سكان غزة كارثة إنسانية وانهيارًا شبه كامل للنظام المجتمعي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى