بعد إعفاء دبور.. هل يشهد لبنان صراعا مسلحا بين متحاربي فتح؟

دخلت الساحة الفلسطينية في لبنان مرحلة جديدة من التوتر بعد القرار المفاجئ لرئيس السلطة محمود عباس بإعفاء السفير أشرف دبور من مهامه نائبًا للمشرف العام على الساحة الفلسطينية في لبنان، وتعيين أمين نحلة خلفًا له سفيرًا للسلطة ابتداء من الأول من أغسطس 2025.
وقد جاء القرار ليضع علامة استفهام كبيرة حول مستقبل استقرار المخيمات الفلسطينية في لبنان، وسط مخاوف جدية من أن يتحول الصراع السياسي داخل حركة فتح إلى مواجهة مسلحة تهدد الأمن الهش أصلًا في المخيمات ومحيطها.
إقصاء المخالفين.. نهج يتواصل
منذ سنوات، اتّبع عباس سياسة إقصاء كل من يعارض رؤيته أو يشكك في خياراته، سواء داخل حركة فتح أو في المؤسسات الرسمية الفلسطينية.
وإعفاء أشرف دبور يُقرأ في هذا السياق كحلقة جديدة في سلسلة إقالات أو تهميش كوادر وقيادات كانت تتمتع بنفوذ واسع أو شعبية في ساحاتها.
دبور الذي شغل منصبه سفيرًا لفلسطين في لبنان منذ عام 2011، إضافة إلى كونه نائبًا للمشرف العام على الساحة الفلسطينية هناك، ارتبط اسمه بدور محوري في إدارة العلاقة المعقدة بين الفلسطينيين والدولة اللبنانية، وكذلك في ضبط الأمن داخل المخيمات، والتوسط بين الأطراف المتنازعة فيها.
لكن الأهم أن دبور عارض صراحة خطة عباس لنزع سلاح المخيمات الفلسطينية، والتي ترى فيها قطاعات واسعة من الفلسطينيين تهديدًا للتوازن الأمني والاجتماعي داخل المخيمات، وتفريطًا في أدوات قوة قد تُستخدم للدفاع عن الفلسطينيين في سياق صراعات المنطقة.
وبإقالة دبور، يبعث عباس برسالة واضحة مفادها أن لا مكان داخل فتح أو المؤسسات الفلسطينية لمن يخالفه الرأي، حتى لو كان يتمتع بثقل سياسي واجتماعي كبير في ساحة حساسة مثل لبنان.
مخاوف من اقتتال داخلي
لكن المشكلة أن تداعيات هذا القرار لا تقف عند حدود تغيير إداري أو دبلوماسي.
فقد أطلقت مجموعة تطلق على نفسها اسم “أحرار حركة فتح في لبنان” بيانًا ناريًا ترفض فيه إقالة دبور، معتبرة أنها خطوة لا تخدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، وتفتح الباب أمام فراغ خطير في التمثيل الوطني للفلسطينيين في لبنان.
ووصفت المجموعة السفير دبور بأنه “ركيزة وطنية أساسية” لعبت دورًا حاسمًا في إدارة شؤون اللاجئين الفلسطينيين، والتدخل الميداني في لحظات التوتر داخل المخيمات.
وذهبت المجموعة إلى حد التحذير من أن استبدال السفير دبور في هذه المرحلة الدقيقة قد يؤدي إلى “اضطراب سياسي واجتماعي لا تُحمد عقباه”، محملة الجهات التي تدفع بهذا القرار مسؤولية ما قد يحدث، ومعتبرة أن القرار تغليب للحسابات الفئوية على المصلحة الوطنية ووحدة فتح.
هذه التصريحات لا تُقرأ على أنها مجرد اعتراض سياسي؛ بل تكشف حجم الانقسام العميق داخل حركة فتح في لبنان، والذي قد يتطور إلى مواجهة مفتوحة في حال أصر الطرف الموالي لعباس على فرض أمين نحلة أو أي قيادة جديدة لا تحظى بتوافق داخلي.
واقع المخيمات لا يحتمل صراعات جديدة
الساحة الفلسطينية في لبنان معقدة بطبيعتها، بسبب وجود نحو 12 مخيمًا للاجئين الفلسطينيين موزعة على مساحة جغرافية ضيقة، وتعيش في ظروف اقتصادية واجتماعية مأساوية.
ففي هذه المخيمات، تتداخل الانتماءات السياسية والفصائلية مع الحسابات الأمنية اللبنانية، فضلًا عن تدخلات إقليمية معروفة، سواء من أطراف عربية أو دولية.
ويحذر مراقبون من أن أي تصدع داخلي في حركة فتح، قد يؤدي إلى انهيار التوازنات الدقيقة التي جرى الحفاظ عليها بشق الأنفس طوال السنوات الماضية.
فالاقتتال الداخلي في حركة فتح يعني عمليًا تحريك السلاح داخل المخيمات، وتفجر اشتباكات قد تتحول بسرعة إلى معارك مفتوحة تشمل أطرافًا أخرى تتربص لأي فرصة لتوسيع نفوذها أو تصفية حساباتها.
سياق إقليمي حساس
يأتي قرار إعفاء السفير دبور في وقت بالغ الحساسية إقليميًا ومحليًا. فلبنان يغرق في أزمات اقتصادية وسياسية غير مسبوقة، بينما تراقب قوى إقليمية المشهد الفلسطيني هناك باعتباره ساحة بالغة الأهمية في الصراع الأكبر بالمنطقة.
ويؤكد مراقبون أن أي انفجار أمني في المخيمات قد يعيد إلى الأذهان مشاهد الاقتتال الدموي الذي شهدته بعض المخيمات في السنوات الأخيرة، مثل اشتباكات مخيم عين الحلوة، والتي خلفت قتلى وجرحى وأدت إلى تهجير مئات العائلات داخليًا.
الأخطر أن مثل هذه المواجهات قد تُستخدم ذريعة لتدخل أمني لبناني أكبر في المخيمات، أو لتقييد حركة الفلسطينيين أكثر مما هو حاصل اليوم.
قرار محفوف بالمخاطر
من الواضح أن عباس اختار أن يمضي قدمًا في سياساته، ولو على حساب الاستقرار الداخلي في حركة فتح والساحة الفلسطينية بلبنان.
لكن حسابات السلطة التي تفضل السيطرة الصارمة على القرار السياسي والأمني قد تكون قصيرة النظر إذا ما قورنت بثمن انفجار الصراع داخل المخيمات، والذي لن يقتصر ضرره على فتح وحدها، بل قد يهز مجمل الوجود الفلسطيني في لبنان.
من هنا، يبدو المشهد مفتوحًا على أكثر من سيناريو. فإما أن ينجح عباس في فرض أمين نحلة دون صدام، مستفيدًا من شبكة الولاءات داخل الحركة، أو أن تشهد الساحة الفلسطينية في لبنان مواجهة محتملة بين أجنحة متصارعة داخل فتح، تتجاوز الإطار السياسي لتأخذ طابعًا مسلحًا، وهو ما يُنذر بكارثة حقيقية في بلد لا يحتمل مزيدًا من الأزمات.
في كل الأحوال، فإن إعفاء دبور لا يبدو مجرد تغيير إداري بل مؤشر إضافي على حالة الغليان داخل حركة فتح، وعلى خيارات الرئيس عباس التي تستمر في إقصاء المخالفين، مهما كان ثقلهم أو دورهم. وفي ساحة مضطربة مثل لبنان، فإن مثل هذه القرارات قد تكون الشرارة التي تشعل حريقًا لا ينطفئ بسهولة.