عائلات نزحت من غزة قُتلت في اليوم التالي: لا أمان تحت الاحتلال

لا يحمل النزوح معنى الخلاص للعائلات في قطاه غزة مع تواصل حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية ورصد عائلات نزحت من مدينة غزة وشمالها استشهدت في اليوم التالي للاستجابة لأوامر الاحتلال بالإخلاء القسري.
وتؤكد مأساة تلك العائلات مأساة الفلسطينيين في غزة بأن النزوح لا ينقذ من الموت، بل يعيد إنتاجه بشكل أبشع، وأن الاحتلال الذي يروج لمساحات “آمنة” في وسط وجنوب القطاع يكذب على العالم، في ظل أن الوقائع تثبت أن لا مكان آمناً في غزة.
عائلة أبو سليم الداية، التي غادرت مدينة غزة قبل يوم واحد فقط بحثًا عن الأمان، استُهدفت بطائرات الاستطلاع الإسرائيلية في منطقة الحساينة غرب النصيرات.
وقد استشهد الزوج وزوجته، فيما أصيب أطفالهما بجروح بالغة. وقصة هذه العائلة ليست استثناءً، بل صورة متكررة لمأساة ممتدة منذ نحو 700 يوم من القصف والتهجير.
أما عائلة أبو جراد، فقد حملت خيمتها من غرب غزة إلى منطقة المواصي في خانيونس، معتقدة أن الجنوب سيكون أكثر رحمة. لكن بعد يومين فقط من النزوح، قضت الأسرة كاملةً تحت نيران القصف الإسرائيلي الذي استهدف خيام النازحين.
الموت يتنقل مع النازحين
يعيش النازحون في غزة معادلة قاسية: الخروج من تحت القصف لا يعني النجاة، فالمجازر تطاردهم حيثما وُجدوا. “المجازر لا تسأل عن الموقع، تُنفذ حيثما وُجدت الروح”، يقول أحد الشهود، ليؤكد أن الاحتلال حوّل كل مكان في غزة إلى ساحة استهداف.
ويبرز المختص القانوني محمود الشرقاوي أن حركة النزوح خلال الأسابيع الأخيرة تكشف عن حقيقة أخرى: “غالبية الناس لا ترغب بالانتقال إلى جنوب وادي غزة”.
وفقاً للرصد الميداني، فإن سكان الزيتون والصبرة وجباليا النزلة، وأخيرًا الصفطاوي، فضّلوا التوجه نحو غرب مدينة غزة بدلاً من الجنوب.
وأشار الشرقاوي إلى أن اليومين الماضيين شهدا ارتفاعًا طفيفًا في حركة النزوح جنوبًا، حيث غادر نحو 1150 شخصًا شمال الوادي إلى جنوبه، بينما برزت ظاهرة معاكسة تمثلت في عودة ما يقارب 140 عائلة إلى حي بئر النعجة و90 عائلة إلى جباليا النزلة، وهو ما يعكس فقدان الثقة في جدوى النزوح.
ومع تقدم الآليات العسكرية نحو منطقتي الصفطاوي وجباليا النزلة، سجل نزوح مؤقت إلى الشيخ رضوان والرمال، لكن هذا النزوح لم يستمر، إذ عاد معظم السكان سريعًا بعد هدوء نسبي.
التضليل الإسرائيلي حول “المساحات الشاسعة”
يواصل جيش الاحتلال الترويج لرواية وجود “مساحات شاسعة فارغة” في جنوب القطاع، باعتبارها مناطق آمنة للمدنيين. وقد رد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة على هذه المزاعم مؤكدًا أنها “ادعاءات باطلة ومضللة”، تهدف إلى التغطية على جريمة التهجير القسري.
ووفق البيان: الجنوب والوسطى مكتظان بالكامل حيث يعيش هناك أكثر من مليون وربع المليون نازح في خيام عشوائية تفتقر لأبسط مقومات الحياة.
غياب البنية التحتية: الأراضي المشار إليها، مثل المواصي ومناطق الوسطى، محدودة وغير مجهزة، وبعضها يستخدم كمناطق عازلة أو مهددة بالقصف، ما يعني أن الاحتلال يسعى عمداً إلى افتعال أزمة إنسانية جديدة.
خريطة مضللة: تتجاهل سلطات الاحتلال الواقع الكارثي من اكتظاظ وانعدام المياه والغذاء، فيما أي انتقال جديد للسكان يعني المزيد من الأمراض والجوع.
جريمة حرب موثقة: التهجير القسري الذي تفرضه إسرائيل يدخل ضمن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المحظورة بموجب المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة، إذ يُفرض بالقوة والقصف، ويهدف إلى تفريغ غزة من سكانها الأصليين في إطار سياسة تطهير عرقي.
ويزداد المشهد الإنساني في غزة قتامة، حيث النازحون لا يجدون سوى الخيام المهترئة ملجأً، بينما يفتقرون إلى الماء النظيف، والمواد الغذائية، والرعاية الصحية. في هذه الظروف، تتحول الخيام إلى بؤر لانتشار الأمراض المعدية، خصوصًا بين الأطفال، في ظل غياب كامل للبنية التحتية الصحية.
ويؤكد المحامون والحقوقيون أن إصرار الاحتلال على دفع المدنيين إلى مناطق غير صالحة للعيش، مع استمرار استهدافهم حتى بعد النزوح، يكشف بوضوح عن نية التهجير القسري. لا مكان في غزة يمكن اعتباره آمناً، وهو ما يجعل كل عملية نزوح مجرد فصل جديد من الموت.
حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة
تأتي هذه التطورات في وقت تواصل فيه دولة الاحتلال تجاهل الضغوط الدولية والمطالبات بوقف النار. وبدلاً من الالتزام بالقانون الدولي، تلجأ إلى خطاب دعائي يحاول تصوير الجنوب كمكان آمن، بينما الوقائع على الأرض تُثبت العكس.
وشدد المكتب الإعلامي الحكومي على أن النزوح في غزة ليس سوى عملية ترحيل قسري تهدف إلى إعادة رسم الخريطة الديموغرافية للقطاع، وتفريغ الشمال ومدينة غزة من سكانها.
وأكد أن العالم مطالب بتحمّل مسؤولياته، ووقف هذه السياسة التي لا تترك للفلسطينيين خيارًا سوى مواجهة الموت في مكانهم أو أثناء نزوحهم.