
في جريمة جديدة تضاف إلى سجل الانتهاكات الإسرائيلية، استهدفت طائرة مُسيّرة تابعة للاحتلال تجمعًا شعبيًا في منطقة مفترق البركة بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة، أثناء توزيع مساعدات غذائية (الطحين) على الأهالي.
وأسفر القصف عن ارتقاء 17 شهيدًا وعدد من الجرحى، في مشهد يعكس الوجه الدموي لحرب الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني.
من الفوضى إلى الاستهداف
ولم يكن الهجوم عشوائيًا، بل جاء بعد رصد دقيق لحركة المدنيين، مستغلًا تجمعهم للحصول على مساعدات تمت مصادرتها في وقت سابق من قبل الأجهزة الأمنية من أيدي فجار ومحتكرين.
الاحتلال يستخدم مثل هذه الأحداث ذريعةً لتوسيع بنك أهدافه، واستثمار حالة الفوضى وغياب الانضباط الشعبي لخدمة أهدافه العسكرية والنفسية.
تجار الدم شراكة غير مباشرة مع الاحتلال
وفي هذا السياق، تُحذر القوى الوطنية من أن تجّار الأزمات والنهّابين لا يعملون في فراغ، بل يفتحون ثغرات خطيرة ينفذ منها الاحتلال لزرع الموت في صفوف المدنيين.
وهؤلاء ليسوا فقط خارجين عن القانون، بل شركاء –بشكل غير مباشر– في تمهيد المجازر عبر استغلال معاناة الناس، وخلق تجمعات عشوائية تتيح للطائرات الإسرائيلية قصفها بزعم “الاشتباه الأمني”.
وفي بيان له، أشاد التجمع الوطني للقبائل والعشائر والعوائل الفلسطينية بالجهود التي تبذلها الأجهزة الأمنية في ضبط الأسواق وحماية المساعدات من أيدي المحتكرين واللصوص.
وأكد أن الاحتلال يستغل هذه الفوضى المنظمة لإرباك الداخل، وأن استهداف مجموعات العمل الشعبي في دير البلح هو جريمة إسرائيلية مركبة، تهدف إلى تدمير البنية المجتمعية وتغذية الانفلات الأمني.
كما دعا التجمع إلى تعزيز التعاون الشعبي مع الأجهزة الأمنية، والوقوف صفًا واحدًا في وجه كل من يحاول استثمار المعاناة لمصالح شخصية، سواء عبر النهب أو الاحتكار أو خلق نقاط تجمّع عشوائية.
هندسة الجوع لخدمة المشروع العسكري
وأشار البيان أيضًا إلى أن وقف المساعدات الإنسانية، والسماح لحالة الفوضى بأن تتصدر المشهد، لا يأتي من فراغ، بل يعكس استراتيجية إسرائيلية ممنهجة لإعادة “هندسة التجويع” بوسائل عسكرية. فهذه ليست مجرد سياسة عقاب جماعي، بل خطة مدروسة تستهدف تمزيق النسيج الاجتماعي الفلسطيني وضرب أي بنية مجتمعية قادرة على تنظيم الإغاثة أو ضبط الاستقرار الداخلي.
وفي هذا السياق، يواصل كل من نتنياهو ووزير حربه الضغط لوقف المساعدات، وخلق فراغ إنساني وأمني، يكون بيئة خصبة لتكاثر الفوضى وشرعنة القتل باسم “استهداف اللصوص أو الخارجين عن القانون”. والهدف الحقيقي هو إطالة أمد الأزمة، وتوسيع مساحات الجوع، وتحويلها إلى أداة ضغط وكسر صامتة ضد صمود السكان.
ومن هنا، فإن ما جرى في دير البلح لا يمكن فصله عن هذه المعادلة المعقدة. فالاحتلال الذي يخطط ويقصف، يعتمد في تنفيذ خطته على سلوك العصابات التي تنهب وتحتكر وتزرع الفوضى. إنها تقاطع خبيث بين القاتل المباشر والطرف المحلي الذي يمهد له الطريق.
وهذه الجريمة ليست حدثًا منعزلًا، بل مؤشر خطير على أن الحرب الإسرائيلية باتت تعتمد على أدوات داخلية لخلق الذريعة وتحديد الأهداف.