تحليلات واراء

شبكة أفيخاي.. صوت جيش الاحتلال لترهيب الفلسطينيين وأداته لتخويفهم

في خضم الحرب المفتوحة التي يشنّها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، لم تقتصر أدوات العدوان على الصواريخ والقصف والحصار، بل اتسعت لتشمل سلاحًا آخر لا يقلّ خطورة: الحرب النفسية والإعلامية لترهيب الفلسطينيين.

وتبرز في قلب هذه الجبهة، شبكة أفيخاي، بوصفها الذراع الدعائية الناطقة بالعربية لجيش الاحتلال، والتي تحوّلت إلى شبكة واسعة من المرتزقة الرقميين، بينهم من يُقدمون أنفسهم كـ”صحفيين” أو “نشطاء إعلاميين”، يعملون على بث الذعر والإحباط في أوساط الفلسطينيين، والتأثير على الحاضنة الشعبية للمقاومة.

أفيخاي أدرعي.. رأس الحربة الناعمة

لطالما ظهر المتحدث باسم جيش الاحتلال “أفيخاي أدرعي” كصوت عبري يرتدي قناع اللسان العربي.

ومع تصاعد عمليات المقاومة في غزة والضفة، لجأ الاحتلال إلى توسيع نطاق عمله الدعائي الناطق بالعربية، عبر دعم وتفعيل شبكة من الحسابات والشخصيات التي تعمل على تضخيم “القوة الإسرائيلية”، والتقليل من شأن المقاومة، وبث رسائل التهديد والوعيد، سواء من خلال منشورات “تحليلية” أو عبر تسريبات موجّهة بعناية.

شبكة أفيخاي لا تقتصر على حساب المتحدث الرسمي فحسب، بل تشمل مجموعة من الشخصيات التي يُفترض أنها فلسطينية أو عربية، تعمل على تمرير رسائل جيش الاحتلال، وكأنها صادرة عن “مصادر محلية”، في محاولة لتضليل الجمهور وجعل الرواية الإسرائيلية تبدو كأنها حقيقة داخلية.

البروباغندا المغلفة بـ”التحليل” و”المعلومة”

خلال الأسابيع الأخيرة، لاحظ متابعو وسائل التواصل الاجتماعي تصاعدًا ملحوظًا في عدد المنشورات التي تروّج لاحتمالية اجتياح إسرائيلي شامل لقطاع غزة، أو تتحدث عن “انهيارات في بنية المقاومة”، أو تسرب معلومات عن ضغوط تُمارَس على قيادات بعينها في الداخل والخارج.

ويتم تقديم هذه “التسريبات” عبر حسابات يبدو مظهرها فلسطينيًا، لكن محتواها يخدم الرواية الأمنية الإسرائيلية بشكل فاضح.

تهدف هذه المنشورات إلى زرع الشك والخوف في صفوف الجمهور الفلسطيني، سواء عبر الحديث عن عمليات تصفية متوقعة، أو عبر الترويج لهزائم ميدانية مزعومة، أو حتى عبر الشائعات الممنهجة حول انهيار الجبهة الداخلية للمقاومة.

ويجري هذا كله تحت غطاء “التحليل السياسي” أو “النقل عن مصادر مطلعة”، ما يمنح الرسائل الدعائية صفة شبه مهنية، ويُسهّل تمريرها.

الإرباك النفسي والاستهداف المعنوي

يعتمد جيش الاحتلال في أدواته النفسية على استراتيجية مركبة تستهدف بالأساس تفكيك الجبهة المعنوية الداعمة للمقاومة. ومن أبرز أسلحته في هذا الإطار:

الإيهام بوجود سيطرة إسرائيلية كاملة: عبر رسائل متكررة حول اختراقات في صفوف المقاومة، أو نجاحات مزعومة للاستخبارات، يراد منها إشعار السكان بأن “كل شيء تحت السيطرة” الإسرائيلية، وبالتالي قتل فكرة النصر من الجذور.

تهديد المدنيين مباشرة: تستخدم بعض حسابات شبكة أفيخاي أسلوب التهديد المباشر للمواطنين، بنشر أسماء أو مواقع أو صور، لإيهام الناس بأنهم مراقبون على مدار الساعة، في محاولة لخلق هالة من الرعب والصمت.

تشويه رموز المقاومة: سواء بالتسريب أو بالتزوير أو باجتزاء التصريحات، يجري استهداف القيادات الميدانية والسياسية للمقاومة، بهدف ضرب الثقة بين القاعدة الشعبية وقياداتها، وتحويل أي أزمة داخلية أو ميدانية إلى “فضيحة” تُستخدم للتشكيك بالمسار النضالي بأكمله.

تحريض الداخل الفلسطيني: جزء أساسي من نشاط الشبكة يتركّز على زرع الانقسام داخل المجتمع الفلسطيني، عبر تغذية الاستقطاب بين الضفة وغزة، أو بين الفصائل المختلفة، أو حتى بين الجمهور الفلسطيني والقيادات السياسية.

أدوات إعلامية مرتزقة

الخطير في شبكة أفيخاي أنها لا تعتمد فقط على مصادر إسرائيلية صريحة، بل تُشغّل أقلامًا ووجوهًا إعلامية فلسطينية أو عربية، بعضها يعمل من منابر إعلامية معروفة، والبعض الآخر ينشط كـ”محلل مستقل” أو “ناشط” على مواقع التواصل.

وتكمن الخطورة في قدرة هذه الشخصيات على التأثير في الوعي الجمعي الفلسطيني من داخل البيئة الإعلامية نفسها، ما يجعل رسائلها أكثر فاعلية وخطورة من خطاب المتحدث الرسمي باسم جيش الاحتلال.

بعض هؤلاء الأفراد يتقاضون رواتب ثابتة، أو يتلقون تمويلاً غير مباشر عبر مراكز بحثية أو منابر إعلامية ممولة من جهات مرتبطة بالاحتلال، في حين يعمل آخرون طمعًا في الشهرة أو لأسباب أيديولوجية.

تواطؤ صامت من السلطة في رام الله

رغم وضوح خطورة هذه الشبكة، لم يصدر عن السلطة الفلسطينية أو أجهزتها الإعلامية أو الأمنية أي موقف حاسم تجاهها.

بل إن بعض وسائل الإعلام الرسمية أو القريبة من السلطة تُعيد نشر ما تروّج له شبكة أفيخاي دون تحقق، بما يشير إما إلى تواطؤ ضمني أو إلى ضعف استراتيجي في إدراك أهمية الجبهة الإعلامية في معركة الوعي.

ويطرح هذا الصمت تساؤلات خطيرة:

لماذا تُترك الساحة الإعلامية مفتوحة لشبكة أفيخاي دون رقابة أو ملاحقة؟

ولماذا تغيب حملة وطنية مضادة لفضح هذه الحسابات ومصادر تمويلها وربطها العلني بالاحتلال؟

وأين هي نقابة الصحفيين والمؤسسات الإعلامية الفلسطينية من واجبها في حماية الجمهور من التضليل الإسرائيلي الممنهج؟

معركة الوعي مستمرة

في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر، تظهر معركة الوعي كإحدى الجبهات الحاسمة في الصراع. فالاحتلال يُدرك تمامًا أن تآكل الثقة الشعبية في المقاومة، أو إشاعة الفوضى والإرباك في صفوف الفلسطينيين، يُمكن أن يحقق له ما لا تحققه أعتى القنابل الذكية.

ومن هنا، فإن مواجهة شبكة أفيخاي لا تتم فقط عبر الشجب، بل تتطلب خطة إعلامية وطنية شاملة، تشمل:

كشف الحسابات المشبوهة والتشهير بها.

تعزيز المحتوى المقاوم باللغة العربية والعبرية والإنجليزية.

إطلاق منصات توعوية لمكافحة التضليل والدعاية النفسية.

تشجيع الصحفيين الفلسطينيين على العمل الاستقصائي لكشف أدوات الحرب النفسية الإسرائيلية.

ضرورة منع صوت الاحتلال

شبكة أفيخاي ليست مجرد ظاهرة إعلامية عابرة، بل سلاحٌ دعائيٌ ميداني في خدمة الاحتلال، يعمل على مدار الساعة لاختراق وعي الفلسطينيين وزعزعة جبهتهم الداخلية.  والتصدي لهذا السلاح لا يقل أهمية عن مواجهة الطائرات والصواريخ، لأنه إن كُسر الوعي، سقطت الإرادة.

وإن كانت المعركة على الأرض تتطلب صمودًا، فإن المعركة على الوعي تتطلب وعيًا مضادًا، وخطابًا ثوريًا واضحًا، وفضحًا متواصلًا لمن ارتضى أن يكون بوقًا لجيش الاحتلال بين أبناء شعبه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى