شبكة افيخاي تتولى تنفيذ بند الحرب النفسية في “عربات جدعون”

على مدار اليومين الماضيين، نشرت حسابات شبكة افيخاي بشكل مكثف منشورات تنخرط في الحرب النفسية للاحتلال الإسرائيلي في إطار تنفيذ عملية “عربات جدعون” العسكرية ضد قطاع غزة متضمنة دعوات للاستسلام أمام الاحتلال وإعادة نشر موسع وتهويل للتخويف من العملية العسكرية فضلا عن دعوات لمظاهرات داخلية وتشكيل مليشيا مسلحة للانقلاب على حركة “حماس” وفصائل المقاومة.
وجاء ذلك في إطار التمهيد للإعلان الفعلي عن بدء العملية والذي تم في الساعات الأخيرة، وما سبق ذلك من اتساع رقعة الحرب النفسية الموازية التي تهدف لترهيب السكان وإضعاف جبهة المقاومة الداشبكة بانخراط صريح وفاضح من “شبكة افيخاي”.
إذ أن حملة الترهيب النفسي لا تُدار فقط من غرف الدعاية الإسرائيلية الرسمية، بل تجد من يروّج لها من مرتزقة وذباب السلطة الفلسطينية وحركة فتح، من خلال شبكة تُعرف شعبيًا باسم “شبكة أفيخاي” — نسبة إلى المتحدث السابق باسم جيش الاحتلال، أفيخاي أدرعي.
أعضاء هذه “الشبكة” ينشطون بشكل متزايد عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتكرار مضامين الدعاية الإسرائيلية، لا سيما تلك المرتبطة بحرب الترهيب المتواصلة منذ أشهر على سكان القطاع.
فهم لا يكتفون بترديد المخاوف من الاجتياح البري أو من انهيار الخدمات الإنسانية، بل يضخمون آثارها النفسية والاجتماعية، ويقدمون الخطاب الإسرائيلي بوصفه تحذيرًا موضوعيًا لا مفر منه، في تجاهل تام لسياق الاحتلال والعدوان المستمر.
ترويج التهويل باسم “الواقعية”
في منشوراته الأخيرة، حرص العضو في شبكة افيخاي، رمزي حرز الله على إعادة نشر تقارير إسرائيلية مرفقة بتعليقات توحي بجدية التهديد بـ”مركبات جدعون”، مركّزًا على إشارات إلى “استعدادات عسكرية كاسحة” و”أهداف لم تُعلن بعد”.
وبدلاً من توظيف هذه التقارير لنقد عقلية الحرب الإسرائيلية، اختار حرز الله التعامل معها كحقيقة قادمة لا مفر منها، ما يضاعف من حالة القلق العام في القطاع ويخدم جوهر الاستراتيجية الإسرائيلية.
أما شريف النيرب، فركّز على البُعد الإنساني المتدهور في غزة، مستخدمًا عبارات من نوع “انهيار وشيك”، و”دمار شامل”، و”الناس تتهيأ لما هو أسوأ”، دون تحميل الاحتلال أي مسؤولية مباشرة أو دعوة للمجتمع الدولي للضغط لوقف التصعيد.
هذا النوع من الخطاب لا يختلف كثيرًا عن تصريحات المتحدثين الإسرائيليين، الذين يُمعنون في تحميل المقاومة مسؤولية ما يسميه الاحتلال “الرد الحتمي”.
استثمار المعاناة… لتصفية الحساب مع المقاومة
يتخذ العضو الأخر في شبكة افيخاي، عبد الحميد عبد العاطي، من الحرب النفسية مناسبة لتصفية حسابات سياسية مع فصائل المقاومة، إذ لا تخلو منشوراته من اتهامات مبطنة للمقاومة بأنها “تُغامر بمصير المدنيين”، متجاهلاً أن التهديد بالاجتياح وتجويع السكان هو سلوك عدواني تمارسه قوة احتلال.
ويظهر عبد العاطي منسجمًا بالكامل مع الموقف الإسرائيلي القائل إن الحرب هدفها “القضاء على حماس والمقاومة”، مع تجاهل تام لحقيقة أن الغارات الإسرائيلية لا تميز بين مدني ومسلّح، وأن “مركبات جدعون” ليست عملية ضد تنظيم، بل ضد مجتمع بأكمله.
تطبيع الخوف
العضو الأخر في شبكة افيخاي، تيسير عابد، قدّم خلال الأيام الأخيرة تحليلات ركزت على “تراجع فرص صمود غزة”، داعيًا إلى “اتخاذ قرارات واقعية تُنقذ الناس” بحسب زعمه.
ورغم أن الدعوة إلى تجنيب المدنيين المعاناة أمر مشروع، إلا أن عابد لم يتطرق إطلاقًا إلى مسؤولية الاحتلال أو إلى ضرورة بناء خطاب مقاوم يوازي التهديد الإسرائيلي، بل ساهم عن قصد أو جهل في تكريس سردية “الهزيمة المحتومة”.
ما تفعله “شبكة أفيخاي” لا يخرج عن إطار الاستراتيجية الإسرائيلية القائمة على ضرب وحدة المجتمع الفلسطيني من الداخل.
فبدلاً من الاقتصار على رسائل المتحدثين الرسميين للجيش، تسعى دولة الاحتلال — ومن ينسجم معها — إلى جعل الخوف لغة داخلية، يتداولها الفلسطينيون فيما بينهم، من خلال وسطاء ناطقين بالعربية ويُفترض أنهم جزء من نسيج المجتمع.
بهذا الشكل، لا يحتاج الاحتلال إلى اجتياح بري مباشر لإضعاف الروح المعنوية، طالما أن هناك أصواتًا فلسطينية تسبق دباباته في بث الرعب والترويج لفكرة أن ما سيحدث “أمر محتوم”.
ويحرص أفراد هذه “الشبكة” على تغليف رسائلهم بعبارات تحليلية، أو تحت غطاء “الشفافية” و”قول الحقيقة”، لكنهم يتجاهلون أن نقل رواية العدو دون تفنيد أو مقاومة لها هو بحد ذاته ترويج وانخراط في حربه النفسية.
فالمسألة ليست نقل أخبار أو تسريبات عسكرية، بل السياق الذي تُنشر فيه واللغة التي تُستخدم، والأهم: الغاية التي تُخدم في نهاية المطاف.
ويؤكد مراقبون أن مواجهة حملة الترهيب التي ترافق التهديد بـ”مركبات جدعون” لا تقتصر على البيانات السياسية أو الدعوات إلى وقف النار، بل تبدأ أيضًا من الداخل، من تفكيك الخطاب الذي يروّج للرعب في ثياب “التحليل”.
والمسؤولية هنا تقع على الإعلاميين والمثقفين والمؤثرين في الساحة الفلسطينية، لرفض التماهي مع أدوات الاحتلال النفسية، وتعزيز الثقة بالقدرة على الصمود والمقاومة، دون السقوط في فخ التهويل والتخويف.
في النهاية، لا تنجح حرب نفسية إلا إذا تبنّى ضحاياها مفرداتها وروّجوا لها بين بعضهم البعض. وما تفعله “شبكة أفيخاي” اليوم هو بالضبط ما يحتاجه الاحتلال: تكرار تهديداته من داخل غزة، بصوت فلسطيني، وكأنها نبوءات لا مفر منها.