تحليلات واراء

أفراد من الجيش الأميركي مهددون بملاحقة جنائية فردية بسبب جرائم حرب في غزة

قالت منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية الدولية إن أفرادا من الجيش الأميركي الذين يقدّمون دعمًا لإسرائيل في حربها المستمرة على غزة قد يواجهون ملاحقة جنائية فردية بسبب تورطهم في جرائم حرب محتملة.

وأبرزت صحيفة الغارديان البريطانية أن هذا التحذير الحقوقي يأتي في وقت تتسع فيه الانتقادات الدولية للدور الأميركي في الحرب التي تجاوزت الشهر الثاني والعشرين، بينما يزداد حجم الضحايا المدنيين في القطاع.

ولطالما تركزت الانتقادات الموجهة لواشنطن خلال حرب الإبادة على غزة على تدفق الأسلحة الأميركية لإسرائيل، لكن تقرير هيومن رايتس ووتش سلّط الضوء على جانب آخر: التعاون العسكري والاستخباراتي المباشر.

فقد أكدت المنظمة أن مشاركة ضباط أميركيين في التخطيط العملياتي الإسرائيلي وتقديم المعلومات الاستخباراتية، يجعل هؤلاء الأفراد عرضة للمساءلة القانونية إذا ارتُكبت جرائم حرب استنادًا إلى تلك المساهمات.

وقال عمر شاكر، مدير مكتب فلسطين في المنظمة: “الأمر يتجاوز التواطؤ، فقد شاركت الولايات المتحدة بشكل مباشر في الأعمال العدائية. إذا كان لك دور في العمليات التي تضمنت جرائم حرب، فأنت تتحمل المسؤولية”.

شواهد على التورط الأمريكي

رغم أن التفاصيل الدقيقة للتعاون الأميركي-الإسرائيلي تبقى سرية، فإن بعض المسؤولين الأميركيين لم يترددوا في الإشارة إلى طبيعة هذا التعاون.

في أكتوبر/تشرين الأول 2024، قال الرئيس الأميركي السابق جو بايدن إن قوات خاصة أميركية وأعضاء من أجهزة الاستخبارات ساعدوا دولة الاحتلال في استهداف قادة في حركة حماس، بمن فيهم الشهيد يحيى السنوار.

وفي مارس/آذار 2025، اعترفت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت بأن إدارة ترامب تشاورت مع دولة الاحتلال قبل استئناف ضرباتها الجوية، التي أسفرت عن قتل أكثر من 400 شخص في يوم واحد.

وبالتوازي، استمرت واشنطن في تزويد دولة الاحتلال بالسلاح. حتى أبريل الماضي، بلغت قيمة مبيعات الأسلحة الأميركية النشطة لإسرائيل 39.2 مليار دولار، إضافة إلى 4.17 مليار دولار من عمليات النقل المباشر منذ اندلاع الحرب في أكتوبر 2023.

من اليمن إلى غزة: سوابق تلاحق واشنطن

لم يكن الجدل حول دور الولايات المتحدة في جرائم حرب جديدًا. فقد واجهت واشنطن اتهامات مماثلة خلال حرب اليمن، حين ساعدت في تزويد طائرات التحالف بقيادة السعودية بالوقود. لم يكن الطيارون الأميركيون يلقون القنابل بأنفسهم، لكن مساعدتهم مكّنت من مواصلة الغارات التي قتلت آلاف المدنيين.

اليوم، تتكرر الصورة في غزة: الأميركيون لا يضغطون على الزناد مباشرة، لكن دعمهم الاستخباراتي والعملياتي يمهّد الطريق للهجمات التي تستهدف مستشفيات، مدارس، وأحياء سكنية.

ومن أبرز الأمثلة الأخيرة الهجوم على مستشفى النصر في جنوب غزة، الذي أسفر عن قتل 22 مواطنا فلسطينيا من بينهم خمسة صحفيين.

هل المحاكمة ممكنة؟

من الناحية النظرية، يمكن محاسبة الجنود الأميركيين بموجب القانون الدولي:

ينص نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على أن كل من “ساعد أو حرّض أو ساهم بأي شكل” في ارتكاب جريمة تدخل ضمن اختصاص المحكمة قد يُحمّل المسؤولية.

لدى بعض الدول مثل بلجيكا وألمانيا قوانين “الولاية القضائية العالمية” التي تسمح بمحاكمة جرائم الحرب بغض النظر عن مكان وقوعها.

لكن عمليًا، الاحتمالات تبقى ضعيفة. فالولايات المتحدة ليست طرفًا في نظام روما، وقد هددت سابقًا مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية عندما بحثوا في جرائم حرب محتملة بأفغانستان. كما أن المناخ السياسي الحالي في واشنطن وأوروبا لا يميل إلى مواجهة إسرائيل، بل يدعمها.

تقول جانينا ديل، مديرة معهد أكسفورد للأخلاقيات والقانون: “للمحكمة الجنائية الدولية ولاية قضائية على الجرائم في غزة، حتى لو لم تكن الولايات المتحدة طرفًا في النظام. لكن التحدي ليس قانونيًا بقدر ما هو سياسي”.

الدعم الأميركي كحزمة متكاملة

يتضح من الوقائع أن المساهمة الأميركية لا تقتصر على بند واحد، بل هي حزمة متكاملة من الدعم لإسرائيل:

دعم عسكري مباشر: أسلحة ومبيعات بمليارات الدولارات.

مساعدة استخباراتية: تزويد دولة الاحتلال بمعلومات لتحديد أهداف.

تخطيط عملياتي: إشراك ضباط أميركيين في القرارات الميدانية.

غطاء سياسي: استخدام النفوذ الأميركي لحماية دولة الاحتلال من العقوبات أو الضغوط الدولية.

هذا الخليط يجعل من الصعب على واشنطن التنصل من مسؤوليتها، ويضع أفراد الجيش الأميركي الذين يشاركون في هذه الأنشطة تحت طائلة القانون الدولي، على الأقل نظريًا.

غضب حقوقي وتنامي الدعوات للمحاسبة

تقول سارة ياغر، مديرة مكتب هيومن رايتس ووتش في واشنطن: “الولايات المتحدة ليست طرفًا في النزاع فحسب، بل قد تُحمّل مسؤولية جرائم حرب. الشعب الأميركي يدفع ثمنًا باهظًا لذلك، دون أن يدرك الكثيرون ما تفعله حكومته باسمه”.

وتضغط منظمات حقوق الإنسان بقوة لوقف الدعم العسكري لإسرائيل، معتبرة أن الاستمرار فيه يجعل واشنطن شريكًا مباشرًا في الجرائم.

ومع تراكم الأدلة على استهداف المدنيين في غزة، تزداد المطالب بفتح ملفات قضائية ضد المتورطين، سواء في المحاكم الدولية أو في الدول ذات الاختصاص العالمي.

وقد لا يرى العالم قريبًا جنودًا أميركيين يمثلون أمام محكمة دولية بتهم ارتكاب جرائم حرب في غزة، لكن مجرد طرح الفكرة على الطاولة يعكس حجم التورط الأميركي في حرب اتسع نطاقها ليصبح كارثة إنسانية غير مسبوقة.

وحتى لو حالت السياسة دون المحاكمة، فإن الوصمة القانونية والأخلاقية ستلاحق الولايات المتحدة. فهي لم تعد مجرد “مزود سلاح” لإسرائيل، بل شريكًا في التخطيط والاستخبارات والدعم السياسي، أي شريكًا كاملًا في الحرب.

وبينما تتساقط ضحايا غزة بالآلاف، يبقى السؤال مطروحًا: هل يأتي اليوم الذي يُحاسب فيه أفراد الجيش الأميركي على ما ارتكبوه أو ساعدوا على ارتكابه؟ في القانون، الإجابة نعم. أما في السياسة، فلا يزال الطريق طويلًا ومليئًا بالعقبات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى