القصة في ارقام

أكثر من 80% من مساحة قطاع غزة تحت أوامر التهجير الإسرائيلية

في تطور خطير وغير مسبوق في مسار العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، بات أكثر من 80% من مساحة القطاع خاضعًا لأوامر التهجير أو مصنفًا كمناطق عسكرية مغلقة من قبل جيش الاحتلال، ما يشير إلى تصعيد ممنهج في سياسات التطهير السكاني والقضاء على أي أفق للحياة المدنية في القطاع المحاصر.

وبحلول 20 مايو/أيار 2025، ووفقًا لتقارير الأمم المتحدة، كان نحو 81% من أراضي غزة – أي ما يعادل قرابة 197.7 كيلومترًا مربعًا – قد أدرج تحت أوامر تهجير صادرة عن جيش الاحتلال الإسرائيلي، أو ضمن مناطق عسكرية مغلقة يُمنع على السكان التواجد فيها.

تأتي هذه الإجراءات ضمن حملة تهجير قسري متسارعة بدأت تأخذ طابعًا واسع النطاق منذ 18 مارس/آذار الماضي، حيث أصدر الجيش الإسرائيلي منذ ذلك الحين 29 أمرًا بالتهجير شملت مناطق سكنية ومرافق حيوية وخدمات إنسانية.

نزوح جماعي متجدد

بحسب مجموعة إدارة المواقع (SMC)، تسبب التصعيد الأخير في نزوح داخلي جديد لما لا يقل عن 599,100 فلسطيني – أي حوالي 29% من سكان القطاع – وذلك منذ منتصف مارس وحتى 21 مايو، منهم أكثر من 161,000 نازح خلال الأسبوع الممتد من 15 إلى 21 مايو فقط.

في معظم الحالات، فرّ السكان من منازلهم دون أي ممتلكات أو مواد إغاثية، وسط غياب الممرات الآمنة وتراجع قدرة منظمات الإغاثة على الاستجابة.

ورغم أن الجيش الإسرائيلي يعلن أحيانًا أن المستشفيات داخل مناطق التهجير ليست مطالبة بالإخلاء، فإنه يمنعها في المقابل من استقبال مرضى جدد، ما يجعل استمرارها بالعمل شبه مستحيل، خصوصًا في ظل النقص الحاد في الإمدادات الطبية وانقطاع الكهرباء والوقود.

تفاصيل أوامر التهجير الأخيرة

بين 14 و20 مايو فقط، أصدر جيش الاحتلال سبعة أوامر تهجير جماعي في أنحاء متفرقة من شمال وجنوب ووسط غزة، شملت مساحات واسعة، منها:

14 مايو/أيار: تهجير منطقتين شمال غزة على مساحة 4.6 كلم² تشمل ستة أحياء، 30 موقعًا للنازحين، 6 مدارس مؤقتة، مستشفيين، ومركزًا صحيًا.

15 مايو/أيار: تهجير مناطق في دير البلح وخان يونس على مساحة 22.5 كلم²، تضم ستة مواقع نزوح، 19 مرفقًا للمياه والصرف الصحي، ونقاطًا طبية متعددة.

16-17 مايو/أيار: إلقاء منشورات في بيت لاهيا ودير البلح تأمر السكان بإخلاء الملاجئ والخيام.

18 مايو/أيار: أمر جديد بإخلاء مناطق إضافية في دير البلح وخان يونس على مساحة 6.7 كلم² تشمل 17 موقعًا للنازحين.

19 مايو/أيار: تهجير واسع في خان يونس يغطي 82 كلم² – أي 22% من مساحة غزة – يشمل 46 موقعًا للنازحين، 32 مرفقًا خدميًا، و59 مركزًا تعليميًا.

20 مايو/أيار: تهجير 26 حيًا في شمال غزة على مساحة 35 كلم²، تشمل 113 موقعًا نزوح، ثلاثة مستشفيات، ومرافق حيوية أخرى.

انهيار المنظومة الإنسانية

وسط هذا الزحف المتسارع لسياسة التهجير، تشهد غزة انهيارًا شاملًا في الخدمات الأساسية والأنشطة الإنسانية، حيث أفادت مجموعة الحماية التابعة للأمم المتحدة بحدوث “اضطراب غير مسبوق” في أنشطة الدعم والحماية للسكان.

حتى تاريخ 20 مايو، تأثرت خدمات الحماية المنقذة للحياة لنحو 47,000 شخص في عدة محافظات، خاصة مدينة غزة وخان يونس ودير البلح وشمال غزة، نتيجة تعليق خدمات الاستشارات والدعم النفسي والاجتماعي وإدارة الحالات.

كما نزح أكثر من 52 موظفًا من العاملين في المنظمات الشريكة، ما دفع إلى الاعتماد بشكل أكبر على تقديم الخدمات عن بُعد، رغم محدودية الجدوى في ظل انقطاع الكهرباء وشبكات الاتصال.

تهديد خاص للنساء والفتيات

تزداد المخاوف على النساء والفتيات في ظل انعدام الخصوصية، وغياب الحماية، وانهيار منظومة الرعاية الاجتماعية، إذ حذر صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA) من أن المنزل الآمن الوحيد للنساء في غزة بات الآن “غير قابل للوصول”.

وأكد الصندوق أن المساحات الآمنة المتبقية تعمل بكامل طاقتها، لكنها تضطر إلى تقليص خدماتها والاعتماد على حلول بديلة في ظل نقص الوقود وتعطل سبل التنقل.

وحذر البيان من أن النزوح المتكرر وظروف العيش المكتظة ترفع خطر العنف القائم على النوع الاجتماعي، بما يشمل الاستغلال والاعتداء الجنسي، بشكل “مقلق”، حيث تعيش العائلات دون صرف صحي أو خصوصية، ما يهدد النساء والفتيات بفقدان الكرامة وتعرضهن المباشر للخطر.

دلالات استراتيجية

تصاعد أوامر التهجير بهذا الشكل الواسع والمتزامن لا يمكن اعتباره مجرد “تكتيك عسكري”، بل هو مؤشر على محاولة ممنهجة لتغيير الواقع الديمغرافي في غزة بالقوة.

وتحويل نحو 200 كلم² إلى مناطق عسكرية مغلقة، ومنع الخدمات، وإجبار السكان على التحرك المتكرر، يعكس سياسة خنق جماعي للسكان، ودفعهم قسرًا نحو مناطق محاصرة أكثر، أو حتى نحو الخروج الكامل من القطاع في حال أتيحت أي فرصة لذلك.

من اللافت أن سياسة الأوامر المطبوعة والمنشورات الجوية باتت أداة يومية تعتمدها دولة الاحتلال لإضفاء طابع قانوني على التهجير، رغم أنها لا توفر أي ضمانات للحماية أو الإغاثة أو العودة، بما يخالف اتفاقيات جنيف وقواعد القانون الدولي الإنساني بشكل واضح.

وفي وقت يُفترض فيه أن يكون وقف إطلاق النار على رأس أولويات المجتمع الدولي، يواصل الاحتلال الإسرائيلي فرض وقائع جديدة على الأرض، عبر القصف المتكرر، والتهجير القسري، واستهداف البنى التحتية، والمرافق الصحية والتعليمية، وصولًا إلى شل قدرة منظمات الإغاثة الدولية على العمل.

أمام هذه الكارثة الإنسانية المتفاقمة، بات أكثر من مليون نازح في غزة بلا أمان، ولا سقف، ولا ضمان للبقاء، فيما العالم يراقب بصمت واحدة من أوسع حملات التهجير المنهجي في القرن الحادي والعشرين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى