تحليلات واراء

حصاد “شبكة أفيخاي” خلال عامي حرب الإبادة: تحريض على المقاومة وتبييض جرائم الاحتلال

على امتداد عامي حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، برزت “شبكة أفيخاي” كواحدة من أدوات الحرب النفسية التي استُخدمت لتدعيم الرواية الإسرائيلية ولتفكيك الحاضنة الشعبية للمقاومة.

وتسمية الشبكة تقتبس اسم الناطق الرسمي للجيش الإسرائيلي، لكنها تمثل امتدادًا عمليًا لوحدات العمليات النفسية الإسرائيلية، وفي مقدمتها ما بات يُعرف بوحدة “ملات” للمعلومات والإقناع، مع تشابكات واضحة مع ما يُنتَج محليًا من خلايا ذباب الكترونيية وممولات وصفحات دعائية.

وتعتمد الشبكة مزيجًا من تقنيات الدعاية التقليدية والرقمية باختلاق روايات مزيفة، تزوير مقاطع فيديو أو اقتطاعها من سياقها، ونسب تصريحات مزعومة لقيادات المقاومة، وإعادة تدوير صور ومشاهد من حروب ومآسٍ سابقة على أنها أحداثٍ جارية.

وتُوظّف أيضًا حسابات مزيفة وصفحات مدعومة لإضفاء “مظهر جماهيري” على المرسوم، ثم تُستخدم شبكات من الذباب الإلكتروني لرفع نسبة الوصول والتفاعل، ما يخلق وهمَ شهرة للرواية المزوّرة.

وفي كثير من الحالات، تُروّج الشبكة سرديات رئيسية تقوم على محاولة تحميل المقاومة مسؤولية سقوط المدنيين، وتصويرها كقوة تُضع الشعب في مرمى الانتقام، أو ترويج فكرة أن هدنة أو تسليم السلاح هو الحل الوحيد لإنقاذ المدنيين — وهي رسائل تهدف إلى زعزعة الروح المعنوية والضغط على الحاضنة الشعبية لوقف دعمها للمقاومة.

شبكة أفيخاي ويكيبيديا

تعمل وحدة “ملات” الإسرائيلية، كما تُعرّفها تحليلات أمنية، على تصميم حملات متكاملة تشمل رسائل موجهة ومواد مرئية ومقالات مُعدّة سلفًا تُوزّع عبر وسطاء رقميين. لكن نجاح هذه الوحدة يكمُن في “التوأمة” مع خلايا محلية ودولية:

صفحات ممولة ومؤدلجة تُدير سرديات متكررة وتوظف صيغًا تُلامس الغضب والحزن والخوف لدى الجمهور.

ناشطون وصحفيون ومنسقو حسابات في المنفى أو تحت حماية أجهزة أمنية، يقدّمون الرسائل بغطاء “محلي” لزيادة المصداقية.

ذباب إلكتروني وأدوات تضخيم ترفع مدى وصول الرسائل وتستهدف حسابات إعلامية وشخصيات مؤثرة لإضفاء شرعية على الأكاذيب.

وبموجب هذه الآلية، تتحول “الأكذوبة” إلى ما يشبه “معلَمًا” في وعي الجمهور: تكرار، تضخيم، وابتكار أدلة مزيفة لتثبيت الانطباع.

الهدف رأس المقاومة

يتمثل الهدف الاستراتيجي لشبكة أفيخاي في خلق بيئة نفسية تُضعف من قدرة المقاومة على الاستمرار وتقلّص درجات الدعم الشعبي لها. النتائج المتحققة تظهر على عدة مستويات:

تفكيك الثقة الداخلية بين الجمهور وقادته، عبر إشاعات عن خيانة أو سوء إدارة للمعركة.

إضعاف الروح المعنوية لدى المدنيين والجنود على حد سواء، ما قد ينعكس في سلوكيات استسلامية أو تراجع في الدعم اللوجستي والاجتماعي.

تبييض جرائم الاحتلال عبر تحويل الانتباه إلى قصص عن “أخطاء المقاومة” أو سوء تخطيط قيادي، بدل مساءلة من يُنفّذ القصف ويُفجع المدنيين.

تأطير السياسات الدولية عبر ترويج روايات تؤثر على صانعي القرار في الخارج، وتخلق ضغوطًا دبلوماسية على الفصائل والممثلين الفلسطينيين.

شبكة علاقاتها: فتح وأطر أمنيّة ومرتزقة المنفى

تُشير مؤشرات رصدية إلى أن عناصر شبكة أفيخاي تضم طيفًا واسعًا: من ذباب إلكتروني فتّاوي، مرورًا بنشطاء وناطقين إقليميين مرتبطين بأجهزة أمنية، ووصولًا إلى نشطاء مرتزقة في أوروبا والمنفى.

ويسهل هذا التنوع عملية اختراق السرديات المحلية ويمنح الحملات صدقية تفوق قدرة مصدرٍ واحد على تحقيقها.

وتعتمد شبكة أفيخاي على إعادة صياغة تصريحات حقيقية أو تلفيق تصريحات وهمية، لتبدو كأنها صادرة عن قيادات المقاومة ومن ثم الترويج لها على حسابات مواقع التواصل الاجتماعي.

الهدف من ذلك ليس مجرد التضليل الإعلامي، بل إحداث شرخ في العلاقة بين الشعب والمقاومة عبر إيهام الجمهور بأن مواقف قيادته السبب في استمرار الحرب والمآسي.

على سبيل المثال، جري مرارا تحوير خطاب المقاومة الثابت حول شروط إنهاء الحرب (وقف العدوان والانسحاب الإسرائيلي الكامل من القطاع) ليُعرض للرأي العام وكأنه تعنت غير مبرر، يُحمّل المقاومة مسؤولية الدماء والدمار، بينما يتم تغييب الحقيقة الجوهرية: أن الاحتلال هو الطرف الذي بدأ الحرب ويواصل مجازره بحق المدنيين.

وعليه فقد تحولت شبكة أفيخاي من مجرد ذراع دعائية إلى منصة ممنهجة للحرب النفسية. إذ تسعى إلى إضعاف ثقة الشارع الفلسطيني بقيادته ودفع الفلسطينيين نحو الإحباط والانقسام.

يضاف إلى ذلك استهداف تسهيل تمرير المخططات الإسرائيلية، بما في ذلك مشاريع “إعادة الإعمار المشروط” أو فرض إدارة بديلة على القطاع تخدم مصالح الاحتلال.

وما يزيد خطورة هذا الدور أن هذه الشبكة لا تعمل بمعزل، بل ضمن منظومة إسرائيلية متكاملة تضم وسائل إعلام دولية ومراكز ضغط سياسية تسعى لفرض الرواية الإسرائيلية على الرأي العام العالمي.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى