تخبط وتعديل متكرر على حكومة مصطفى يعكس الأزمة الأعمق للسلطة

تُظهر التعديلات المستمرة والمتكررة على حكومة محمد مصطفى، التي تشكّلت في مارس 2024، عمق الأزمة الأعمق التي تعصف بالسلطة الفلسطينية، وافتقادها للقدرة على إدارة شؤونها بفعالية وسط ضغوط سياسية واقتصادية متنامية.
وكانت حكومة مصطفى تشكلت في محاولة من الرئيس محمود عباس للالتفاف على الضغوط الدولية والإقليمية لإصلاح السلطة وإنهاء تمسكه الكامل بكل الصلاحيات، لكنها سرعان ما وجدت نفسها في خضم أزمات سياسية وإدارية متكررة.
وتم إعلان الحكومة رسميًا في 31 مايو 2024، بعد قرار تكليف مصطفى – أحد كبار المسئولين المقربين من عباس منذ سنوات- برئاسة الوزراء في 14 مارس من نفس العام.
وعند التشكيل، ضمت الحكومة 23 وزيرًا بانخفاض واضح عن الحكومة السابقة، مع دمج حقيبة التعليم والتعليم العالي في حقيبة واحدة، وإلغاء وزارة “ريادة الأعمال”، في محاولة لتقليص عدد الوزارات وتخفيف العبء المالي والإداري.
ورغم حداثة تشكيلها، شهدت الحكومة تغييرات متكررة في عدد من الحقائب الوزارية الحساسة، ما يعكس هشاشة التوازن داخلها وصعوبة الاحتفاظ بالكفاءات أمام الضغوط السياسية والفضائح المالية.
السلطة الفلسطينية ويكيبيديا
أحد أبرز الأمثلة على هذه الأزمات هو تعديل وزاري أعلنت عنه وسائل الإعلام الحكومية في 9 نوفمبر الجاري، حيث شمل حقيبتي المالية والنقل والمواصلات.
وبحسب مركز الاتصال الحكومي، كلّف رئيس الوزراء وزير التخطيط والتعاون الدولي، أسطيفان سلامة، بتسيير أعمال وزارة المالية إلى جانب مهامه الأصلية، بعد تقديم وزير المالية استقالته دون أي تفسير رسمي.
كما أدى د. محمد الأحمد اليمين الدستوري وزيرًا للنقل والمواصلات، في محاولة لتثبيت استقرار جزئي داخل الحكومة، إلا أن هذه التعديلات تُظهر حجم الضغوط التي تواجهها السلطة في إدارة الملفات المالية والخدمية الحساسة.
ولم تقتصر الأزمات على الحقائب الوزارية فحسب، بل طالت الحكومة قضايا فساد كبرى هزت الرأي العام الفلسطيني. فضيحة وزير النقل والمواصلات السابق كشفت عن اختلالات كبيرة في إدارة مشاريع البنية التحتية، فيما أثارت استقالة وزير المالية دون تفسير موجة من التساؤلات حول شفافية إدارة المال العام.
كما شملت الفضائح المتتالية كبار المسؤولين الحكوميين في السلطة، مثل رئيس هيئة المعابر السابق نظمي مهنا، ما يعكس استمرار تحديات مكافحة الفساد ضمن جهاز الحكم الفلسطيني.
فضلا عن ذلك شملت التعديلات الوزارية حقيبة الخارجية والمغتربين. ففي 23 يونيو 2025، تم تعيين فارسين أغابيكان وزيرة للخارجية والمغتربين، بدلًا من مصطفى الذي كان يشغل هذه الحقيبة أيضًا.
ويعكس هذا التغيير رغبة السلطة في تقديم صورة مستقرة وتوزيع المسؤوليات بين الوزراء، لكنه يسلط الضوء أيضًا على تزايد الضغوط على الحكومة لتقديم مخرجات فعالة في السياسة الخارجية، خاصة في ظل التحديات المتعلقة بالعلاقات العربية والدولية، وإدارة الملفات العالقة مع المانحين الدوليين.
يأتي ذلك فيما تواجه حكومة مصطفى تحديات جوهرية على أكثر من صعيد بفعل فساد وتراجع مكانة السلطة منها أزمات التمويل، ومحدودية قدرة الحكومة على تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، وارتفاع نسب البطالة والفقر.
يضاف إلى ذلك إلى الضغوط السياسية الداخلية والخارجية التي تجعل أي تعديل وزاري محدودًا مجرد إجراء شكلي، ولا يعالج الأزمة الأعمق للسلطة وهي ضعف الهياكل المؤسساتية وغياب المسؤولية والمساءلة الحقيقية.
ويمكن القول إن التعديلات المستمرة على حكومة مصطفى ليست مجرد تغييرات إدارية، بل تعكس أزمة ثقة أعمق بين الرئيس وأجهزته الحكومية، وأيضًا بين الحكومة والمواطنين.
وفي ظل هذه البيئة، يصبح أي إنجاز حكومي هشًا ومؤقتًا، ويترك الحكومة عرضة لانتقادات واسعة تتعلق بالكفاءة والشفافية والقدرة على مواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية، سواء على المستوى الداخلي أو في سياق العلاقات مع المجتمع الدولي.
وفي المحصلة، فإن تخبط حكومة مصطفى، مع تعديلات وزارية متكررة وفشلها في معالجة الفساد الداخلي، يعكس أزمة هيكلية أعمق للسلطة الفلسطينية، ويطرح علامات استفهام حول قدرة قيادة السلطة على استعادة الثقة الشعبية والمصداقية الدولية، خاصة في ملفات أساسية مثل الإصلاح المالي، ومكافحة الفساد، وإدارة موارد الدولة بفعالية.





