الصمت العربي والتطبيع: شريك في تدمير الهوية الفلسطينية

تتزايد المأساة الإنسانية في الأراضي الفلسطينية في ظل تغول إسرائيلي غير مسبوق في وقت تتضاعف الأزمة بفعل الصمت العربي الرسمي، الذي تجاوز حدود التواطؤ ليصبح مساهمة فعلية في تمرير المشروع الأميركي، تحت شعار “السلام”، فيما يُترك الفلسطينيون لدفع الثمن بأرواحهم وأرضهم ومستقبلهم.
ويبرز مراقبون تصاعد حدة العدوان الإسرائيلي على امتداد الأراضي الفلسطينية المحتلة، خصوصًا في الضفة الغربية، حيث يتواصل التوسع الاستيطاني وهجمات المستوطنين على الفلسطينيين.
ويشير هؤلاء إلى أن هذه الهجمات ليست مجرد اعتداءات عشوائية، بل هي جزء من حرب إبادة موجهة لهدم الهوية الفلسطينية، وإضعاف الإرادة الوطنية، تحت غطاء قانوني مزعوم توفره الولايات المتحدة.
فالصمت العربي على هجمات المستوطنين وتهجير الفلسطينيين عنوةً يوازي الموافقة الضمنية، حيث تغيب أي خطوات فعلية لوقف العدوان أو حماية المدنيين.
والدول العربية إلى جانب السلطة الفلسطينية التي انصاعت للوعود الأميركية بمنع دولة الاحتلال الإسرائيلي من ضم الضفة الغربية، غابت عن أي موقف حقيقي يصد الهجمة الاستيطانية أو يحمي حقوق الفلسطينيين.
ويرى المراقبون أن هذه الاستكانة، سواء عن وعي أو جهل، تعمل على تمكين الاحتلال من اقتلاع أهل الضفة وأخذ ممتلكاتهم، وتحويل الأرض إلى مناطق أمنية تحت سلطة الاحتلال، بينما تُترك القوانين الدولية جانبًا.
العدوان الإسرائيلي في الضفة الغربية
إن ما يحدث في الضفة الغربية ليس منعزلاً عن حرب غزة، باعتبار أن التوسع الاستيطاني وهجمات المستوطنين على المدنيين هما جزء من حرب الإبادة نفسها: إبادة الهوية الفلسطينية، إلى جانب الإبادة الجسدية التي شهدها قطاع غزة.
واللافت أن الصمت العربي سمح لواشنطن بتمرير مخططاتها، بما في ذلك فرض مجلس استشاري بقيادة ترامب وطوني بلير، يهدف إلى تحويل إدارة غزة إلى نمط “احتلال مشروع” يحمي المصالح الإسرائيلية ويقطع التواصل الفلسطيني مع أراضيهم الأصلية.
وقد بدت الدول العربية التي وقعت على اتفاقيات التطبيع الإبراهيمي مستعدة لتقديم الغطاء القانوني والسياسي لمخططات الاحتلال، متجاهلة الفرق بين خطة أميركية متسقة مع مصالح دولة الاحتلال وقرار أممي يحمي حقوق الشعب الفلسطيني.
وبدل الدفاع عن القانون الدولي وحقوق الفلسطينيين، اختارت هذه الدول الالتزام بالوعود الأميركية، متجاهلة هشاشة الوضع الإنساني والقانوني، خاصة مع استمرار عمليات الترهيب والتهجير في الضفة وحرمان سكان غزة من إعادة بناء مجتمعهم.
ويظهر ذلك أن ما يجري في غزة والضفة ليس مجرد مخطط عسكري، بل هو مشروع سياسي متكامل لتفتيت المجتمع الفلسطيني وتجريده من إرادته المستقلة.
فكل الخطط الأميركية والإسرائيلية تتعامل مع السكان الفلسطينيين على أنهم خطر أمني، فيما تُستغل الأراضي لمصالح اقتصادية وتجارية، من استثمارات المليارديرات إلى منتجعات سياحية على شواطئ غزة، كل ذلك تحت غطاء “السلام والأمن”.
وهنا يعد الصمت العربي ليس فقط تجاهلًا، بل مساهمة عملية في إضفاء الشرعية على انتهاكات الاحتلال، وجعل جرائم دولة الاحتلال قانونية بموافقة ضمنية من هذه الدول.
والمشاركة في تمرير قرارات مجلس الأمن التي تشرعن الاحتلال، وعدم استخدام الزخم القانوني الدولي لتفعيل التوصيات والمحاكم الدولية، يضع الدول العربية في موقع شريك سلبي، بل فاعل، في ما يجري من تهجير وتدمير.
وبحسب المراقبين فإن المطلوب اليوم هو كسر هذا الصمت والتحرك بشكل فاعل، سياسيًا وقانونيًا وشعبيًا. الانخراط في حركات المقاطعة ومناهضة التطبيع واجب وطني وأخلاقي، كما أن التضامن الأممي مستمر، لكنه يحتاج إلى دعم عربي حقيقي.
وإن الحد الأدنى من تحرك الدول العربية يجب أن يكون رفض التطبيع وقطع الغطاء السياسي لمخططات الاحتلال، قبل فوات الأوان، فيما المواجهة الحقيقية تبدأ بالاعتراف بالمخطط، وبالتحرك العاجل لمنع تكريس الاحتلال، وحماية الشعب الفلسطيني من مزيد من التهجير والإبادة، قبل أن تصبح غزة والضفة مجرد قصص مأساوية في كتب التاريخ، والأمل في استعادة حقوق الفلسطينيين مجرد وهم.





